الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يظهر بأن تحالف أوبك+ الذي يجتمع اليوم الخميس 2 ديسمبر (وهو إجتماع لن يكون سهلا)، يتصدر المشهد كلما دخل العالم في دورة ذعر خاصة فيما بعد جائحة كوفيد-19، فأخذه بزمام الأمور الذي أظهر مدى أهميته في إدارة منع الكوارث الاقتصادية المرتبطة بالنفط يثبت أنه يراعي ما يطمئن العالم وأسواقه واقتصاداته.
بعيدا عن مقولة الرئيس الأمريكي بايدن – الذي يصارع حالة احتراق سياسي بسبب التضخم الأعلى منذ 13 عاما، وضعف موقفه الشعبي للانتخابات القادمة، ودوليا بسبب عدة ملفات أهمها الملف الإيراني والملف الصيني – بأن لدى الإدارة الأمريكية أدوات يمكن استخدامها لخفض أسعار النفط، حصل بالفعل إنخفاض مفاجيء بحوالي 11% في 26 نوفمبر وهي نسبة عالية لم تراها الأسواق منذ فترة طويلة وفي ظل حزمة من الظروف المباغتة.
ما حصل يومها هو أن دخلت الصين في إجراءات احترازية مفاجئة أقلقت العالم كله، فقد تم إلغاء مئات الرحلات الجوية وأغلقت مدارس ومواقع سياحية، مما الغي على إثرها الكثير من النشاطات، وهذا كله بسبب اكتشاف إصابات بفيروس كوفيد-19 في مدينة شنغهاي الصينية.
بالرغم من أن ما حصل في الصين هو إجراء احترازي طبيعي يتخذ في مثل هذه الحالات بغرض السيطرة الاستباقية، إلا أنه أنعكس سلبا على أسواق الأسهم في آسيا التي شهدت انخفاضا حادا عند الإغلاق، فقد أغلق مؤشر نيكاي في اليابان بانخفاض تجاوز 2.5% ونفس الحال كان عليه مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ، وبالطبع كانت أكثر الأسهم تضررا هي للشركات ذات الأعمال المرتبطة بالسفر.
ومع إفتتاح أسواق أوروبا بعد الأسواق الآسيوية بساعات، سجلت أسواق المال فيها هبوطا فوريا نتيجة ما يحصل في أسواق آسيا والأخبار القادمة من الصين التي أصبحت “بعبع” الجوائح الفتاكة، كما ساهمت الأخبار الساخنة القادمة من جنوب أفريقيا برفع وتيرة الذعر، والتي تفيد برصد سلالة جديدة لفيروس كوفيد-19 سمي “أوميكرون” وقد تم رصد حالات منها في شرق آسيا، مما تسبب في تعميق الهبوط في الأسواق الأوروبية، خاصة أن أوروبا قد منعت السفر من وإلى عدة دول أفريقية بسبب الرصد الأخير وظهور حالات “أوميكرون” في ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا.
أما في الولايات المتحدة وبسبب الأخبار التتابعية من آسيا ومرورا بأوروبا، فقد انخفضت أسواق الأوراق المالية بنسبة وصلت لحدود 2.5% وأيضا انخفضت أسعار السلع والدولار، والنفط الذي قد تعرض قبلها لهزة خفيفة بسبب أخبار السحب من المخزونات الاستراتيجية في الولايات المتحدة والهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان والمملكة المتحدة، وإن كانت علامات الاستفهام تلوح في أفق الغرض من هذا الربط في الإعلام الغربي.
هذا الإعلام أهمل تماما أن في هذا الوقت من السنة التجارية تبدأ عمليات مبيعات المضاربين (Sell-off) للعقود المستقبلية بغرض تعزيز مواقفهم الربحية كتحوط استباقي من أي تقلبات سعرية تتسبب في خسائر قبل تقفيل دفاتر السنة المحاسبية، كما أهمل حقيقة أن قرار السحب مقيد في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وليس أكثر من 50 مليون برميل وهي كمية ضئيلة، والصين وإن استجابت لطلب الرئيس الأمريكي فهي استجابة بالقلم الرصاص، ومع أخبار تحور جائحة متجددة لا يمكن إلا أخذها على محمل الجد، خسر النفط من في حدود 10 دولار في البرميل.
هنا، لا جدال في أن تحالف أوبك+ يأخذ الأمور بحكمة وبجدية وواقعية وسيواصل توخي الحذر وهو مبدأ صرح به سابقا سمو وزير الطاقة السعودي، لا سيما من الفرقعات الإخبارية، وأيضا سيكون في حالة ترقب دائم لما يحصل من تطورات في ظل احتمالية فرض عمليات إغلاق بسبب موجة رابعة للجائحة، واقتصادات مازالت غير متعافية وحالة عدم يقين، وحرب ضروس ضد مصادر الطاقة الأحفورية ودخول فصل الشتاء واحتمالية ارتفاع المعروض من النفط في الأسواق وانعكاس ذلك على سياسات الإنتاج.
هذا كله يجعله تحالف ذو موثوقية عالية لأن قراراته على محك الإختبارات القائمة دائما على الأساسيات (Fundamentals) وبعيدة كل البعد عن تأثيرات المشاعر والعواطف (Sentiments)، فاستقرار إمدادات النفط وأسواقه هو محور اهتماماته وبما لا يضر بمصالح كافة الأطراف ذات العلاقة بحكم دوره القيادي الذي يحاول البعض كسره، مما يطمئن الأسواق وإن كان لا سلطة له على الأسعار التي تستجيب لمعادلة العرض والطلب – وقد رأينا هبوط سعر برميل برنت القياسي حوالي 16 % ومزيج غرب تكساس القياسي لما يقارب 21 % في شهر نوفمبر – إلا أن تحالف أوبك+ أثبت بحكمته ومصداقيته وقيادته على كونه بالفعل بمثابة مجلس أمن اقتصاد العالم بعد مرور خمس سنوات على إنشائه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال