الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بالنظر إلى شركة المساهمة، فهي عبارةٌ عن مشاريعٍ تَستَطِيعُ تَوفِيرَ الأموال وتَستَثْمِرُهَا بشكلٍ مباشرٍ، ولهذا فإنَّها تضخُّ هذه الأموال على شكل سيولةٍ في مجرى النهر التجاري، أو في دورة رأس المال بتعبير أكثر تخصُّصاً.
وفي علوم الحوكمة، تُعتَبَر شركة المساهمة من أكثر المشاريع صعوبةً من حيث الإدارة؛ والسبب يَرجِعُ إلى كَونِهَا تُتَاجِرُ بالمخاطر، دون اعتمادٍ فعليٍّ على الأصل الحقيقي لديها من عقاراتٍ وأموالٍ، بِقَدْرِ اعتمادها على سمعتها، وعملائها، وقيمة علامتها التجارية.
أي أنَّ شركة المساهمة تحتاج إلى ما يُشبِهُ النجاح الدائم حتى تكون في مأمنٍ من الإفلاس، وهذا مستحيلٌ، لذلك فإنَّها تَحتَفِظُ باحتياطيَّات إلزاميةٍ حتى تَحافظ على توازنها المالي إذا تعثَّرت عملياتها المالية، وكثيراً ما يَحدُثُ ذلك؛ خاصَّةً في زمن الجوائح العالمية الذي نعيش.
وقد كان لا بدَّ لهيئة السوق المالية السعودية مِن أنْ تنصَّ على قواعدٍ خاصَّةٍ بمسألة الاحتياطيَّات، فكان من أهمُّها:
أولاً: التزامات الشركة
ينصُّ نظام الشركة الأساس كيفية تجنيب الاحتياطي الإلزامي والاتفاقي من الأرباح الصافية التي يتمُّ توزيعها على المساهمين في شركات المساهمة (م/9-أ لائحة)؛ وهذا لا يعني حرمان المساهمين من الأرباح، بل توفير العُمْقِ المالي اللازم لاستمرار الشركة، ذلك بما يَخدِمُ مصلَحَتَهَا، ويَحفَظُ حقوق المساهمين فيها.
لكن كان يُفضَّلُ توضيح كيفية تجنيب الاحتياطي الإلزامي من الأرباح وفق قواعدٍ صريحةٍ في لائحة الحوكمة، وعدم تَرْكِهَا لنظام الشركة الأساس؛ حتى لا تكون سبباً لخلافات المساهمين، أمَّا الاحتياطي الاتفاقي وباقِي أنواع الاحتياطيَّات، فيُمكن تَرْكُهُ للنظام الأساس.
تتوقَّف عملية التجنيب هذه متى بلغ الاحتياطي الإلزامي نسبة 30% من رأس المال المدفوع (م/12-11 لائحة)؛ وهنا يجب التركيز على أنَّ نسبة الـ 30% هذه لا تُقَاسُ على رأس المال المذكور في حسابات الشركة مع تأسيسها، بل تُقَاسُ على رأس المال الذي تمَّ دفعُهُ حقَّاً في حسابات الشركة لدى البنوك.
فقد يكون رأس المال الذي تُمثِّله الأسهم والذي تشكَّل بعد الاكتتاب الأولي، أقلَّ قيمةً من رأس المال المدفوع، وهو ما يُشكِّل هامِشَ تحرُّك لمجلس الإدارة بغرض إصدار أسهمٍ جديدةٍ تُغَطِّي باقي رأس المال المدفوع، والذي لم يصدرْ في مقابله أسهم.
فعلى سبيل المثال، إذا كان رأس المال المدفوع 10 مليون ريال، لكن الشركة لم تطرحْ للاكتتاب سوى أسهم بقيمة 7 مليون ريال، فإنَّ الشركة تكون قد استبقتْ ما قيمته 3 مليون ريال من رأس المال المدفوع في حساباتها حتى تُصدِرَ أسهماً جديدةً تُغطِّي هذه الـ 3 ملايين ريال. ويحدث ذلك بشكلٍ خاصٍّ عندما يُحاوِلُ مجلس الإدارة الدفاع عن الشركة من عرض استحواذٍ عدائيٍّ.
وفي جميع الأحوال، تُعتَبَر نسبة الـ 30% المطلوب تَجنِيبها، نسبةً تتوافق مع أنواع الشركات التي لا يكون في نشاطها هامِشَ مخاطرةٍ كبيرٍ، حيث تكون السلع والخدمات التي تدور في رأسمالها كافيةً لتغطية أيةِ أزماتٍ قد تمرُّ بها الشركة؛ مثل شركات الصناعات الغذائية، والبتروكيميائية، وغيرها.
لكن هذه النسبة قد لا تكون مناسبةً لشركاتٍ مثل شركات الخدمات أو شركات الوساطة وغيرها من الشركات التي تَعتَمِدُ بشكلٍ أساسيٍّ على السمعة وقيمة العلامة التجارية وانتماء العملاء إليها، فهذه الشركات لا تَعتَمِدُ على أصولِهَا المَلمُوسَة، بِقَدْرِ اعتِمَادِهَا على سُمعَتِهَا، وهذا ما كان يُوجِبُ النصَّ على احتياطيٍّ إلزاميٍّ أعلى قياساً برأس مالها المدفوع قبل التوقُّف عن تجنيب الأرباح.
ثانياً: اختصاصات الجمعية العامة العادية
استخدام الاحتياطي الاتِّفاقي في الشركة بعد اقتراح مجلس الإدارة وبما يَنفَعُ الشركة والمساهمين (م/12-12 لائحة)؛ وهذا أمرٌ طبيعيٌّ طالما أنَّ الجمعية العامة العادية تُمثِّل جُمُوعَ المساهمين، وهم مُلاَّك الشركة، وأصحاب الحقِّ في أموالِهَا واحتياطيَّاتهَا.
تكوين احتياطيَّات أخرى بخلاف الإلزامية والاتفاقية (م/12-13 لائحة)؛ وهو أمر حسَّاس بعض الشيء على مستقبل الشركة، والسبب أنَّ الجمعية العامة العادية تتَّخذ قراراتها بأغلبية الأسهم (51%)، ما لم ينصُّ نظام الشركة الأساس على خلاف ذلك (م/93-3)، وهذا ما يَمنَحُ الأغلبية البسيطة في رأس المال القدرة على تجنيب الأقلية الكبيرة الحقَّ في الحصول على الأرباح، لذلك كان يُفضَّلُ تَرْكَ هذه الصلاحية للجمعية العامة غير العادية؛ لأنَّها تتَّخذ قراراتها بأغلبية ثُلُثَي الأسهم (3/2)، وهو ما يضمن نسبة أغلبيةٍ أكبر من المساهمين.
ثالثاً: اختصاص الجمعية العامة غير العادية
إنشاء احتياطي اتفاقي في الشركة (م/11-4 لائحة)؛ وهو اختصاصٌ حصريٌّ للجمعية العامة غير العادية، كَونَهُ يُمثِّل عِبئَاً دائماً على المساهمين بالنظر إلى نسبة الأرباح التي سيتمُّ تجنيبها حتى يتشكَّل الاحتياطي الاتفاقي.
رابعاً: اختصاص مجلس الإدارة
يختصُّ مجلس الإدارة باقتراح الأمور التالية على الجمعية العامة العادية:
استخدام الاحتياطي الاتفاقي الناشئ بقرارٍ من الجمعية العامة غير العادية، وغير المخصَّص لغرضٍ مُعيَّنٍ (م/22-8-أ لائحة)؛ بالتالي، فإنَّ إنشاء الاحتياطي الاتفاقي يخضع لسلطة ثُلثَي الأسهم المُمثَّلة في اجتماع الهيئة العامة غير العادية، لكن استخدام هذا الاحتياطي يكون للجمعية العامة العادية في ظلِّ نفوذ مجلس الإدارة الذي يحظى بثقة هذه الجمعية.
لذلك، يبدو ضرورة تخصيص الاحتياطي الاتفاقي في قرار الجمعية العامة بإنشائه ابتداءً، وعدم تَرْكِ هذه المسألة للجمعية العادية ومن ورائها مجلس الإدارة؛ الذي قد يكون من بين أعضائه مَنْ هُمْ من ذوي الاختصاصات التنفيذية التي قد تَحمِلُ مَعَهَا مصالحاً متعارضةً مع مصلحة الشركة؛ كأن يتمَّ استخدام الاحتياطي الاتفاقي في صفقةٍ مع شركةٍ خاصَّةٍ بأحد أعضاء مجلس الإدارة.
تكوين احتياطيَّات جديدةٍ (م/22-8-ب لائحة)؛ وهنا يكون لمجلس الإدارة النفوذ في التخطيط لتجنيب الاحتياطيَّات واستخدامِهَا منذ البداية، وهو أمرٌ لا يَخدِمُ سياسة تعارض المصالح.
خامساً: اختصاصات الإدارة التنفيذية
تزويد مجلس الإدارة بالمعلومات حيال استخدام الاحتياطي الاتفاقي أو تكوين احتياطيَّات جديدة (م/26-9-ج)؛ وهكذا يَظهَرُ أنَّ لائحة الحوكمة قد سَمَحَتْ للإدارة التنفيذية التي تُوقِّعُ العقود باسم الشركة، بأن تَتَدَخَّلَ في تكوين الاحتياطيَّات، وهذا يُساعِدُ تلك الإدارة على استغلال مَرْكَزِهَا التنفيذي في تحقيق مصالحٍ متعارضةٍ مع الشركة؛ عبر استغلال علاقاتها أو مشاريعها الخاصَّة.
وفي الختام، تبدو منظومة المعايير المذكورة في لائحة الحوكمة فيما يخصُّ الاحتياطيَّات المالية أقلُّ ممَّا يجب كمَّاً وكَيْفَاً؛ الأمر الذي يُوجِبُ التصدِّي له بشكلٍ تفصيليٍّ وفق كلِّ نوعٍ من أنواع النشاط التجاري والمالي؛ حيث إنَّ الاحتياطي المالي هو دِرهَمُ الوقاية الذي يَقِيْ من قنطار علاجٍ للأزمات المالية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال