الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ينعقد اليوم السادس من ديسمبر 2021م “الملتقى الوطني الأول للمصرفية الإسلامية”، بتنظيم مشكور ورعاية كريمة، ومُشاركتي:
إنه لا يخفى أهمية الشكل في العقود وأثرها الشرعي، فالفرق بين الزنا والزواج كبير، رغم اشتراكهما في ذات الوطء، ودفع المال، وربما الشهود، ومع ذلك فالفارق الرئيس يتمثل في نيّة المُتعاقدين وصيغة العقد، مما يُرتِّبُ لا شك أثراً كبيراً بين الحلال والحرام، والتزامات كل عقد، إذ يتمتع الزواج برضى الرحمن والعهد والميثاق من أطرافه، في حين يتمتع الزنا بغضب الرحمن والعبث والجحود، وهكذا الفرق بين العقد الربوي، والعقد الشرعي بالمتاجرة والمرابحة والاستصناع والبيع بالتقسيط والإجارة المُنتهية بوعدٍ بالتمليك.
ورغم أهمية المصرفية الإسلامية، تجنباً للوعيد الشديد للربا، إلا أنني من خلال مُخالطتي للقضايا المصرفية، ورغم أهمية الصياغة الشرعية لعقود التمويل، لما تنطوي – بحسب أبجدياتها – على تقليل المخاطر، والمشاركة في الخسائر، وإيجاد البدائل المتنوعة لحاجات العملاء، كل بحسب نشاطه وحاجته للتمويل، ومع ذلك فقد صاحب التطبيق العملي الكثير من المثالب، أورِدُ بعضها:
أولاً: التوسع في استخدام صيغة “عقود التأجير المُنتهي بالتمليك”:
لما تمنح البنوك من تسجيل الأصل باسمها، على اعتبار أنه مُلكاً للبنك مُؤجراً للعميل لحين الوفاء بسداد كامل أقساط التمويل. والإشكالية تكمن في حالات تعثر العملاء عن السداد ولو جزئياً، ولو لأقساطٍ محدودة، فيلجأ البنك لإعمال بنود العقد التي تسمح – مثلاً – باعتبار العميل مُخِلاً إن تأخر عن الوفاء لثلاثة أقساط شهرية، وتسمح للبنك حينها بفسخ العقد واعتبار ما دفعه العميل أجرة، وإن بلغَ ما سُدِدَ نسبة كبيرة من تمويل شراء كامل الأصل، وإن كان ما يُسدد من أقساط أضعاف الأجرة، ومع ذلك يتمسك البنك بصيغة العقد الموقع معه، والواقع يحكي مآسي لعملاء سددت ما سددت ظناً منها أنها في سبيل تملك المنزل أو السيارة محل التمويل، ثم تخسر الجميع.
ولا شك أن الظلم لا يقبله دينٌ أو مجتمع صالح، أياً كان مُرتكبه، وأياً كانت صيغة عقده، تقليدية أو إسلامية.
والأدهى عندي أن هذه الصيغة هي المُستخدمة بكثرة في عقود التمويل المدعوم لشراء منازل المواطنين، على ما تضمنته الصيغة وبنود العقد من مخاطر، سيتعرض لها حتماً نسبة كبيرة من المواطنين.
ثانياً: التعسف في صياغة العقود:
إنه وإن كانت جميع البنوك تتفنن في صياغة ذات الحماية الأُحادية لجانبها على حساب عملائها، مما ليس محله الاستطراد به هنا، إلا أن بناء الاقتصاد الوطني المتين، الذي يحمي جميع أطرافه، بنوكاً وعملاء، من خلال عقود متوازنة تحمي مصالح طرفيها، فالبنوك بنوك الوطن والتجار تجار البلد، والجميع جدير بالحماية، وهو مطلب اقتصادي.
والأدهى، إنه رغم كثرة شكوى العملاء، تجاراً وأفراداً، من الخلل في صياغة العقود، إلا أن الإشكالية مُستمرة لدى جميع بنوكنا، وإن ادعى البعض منها أنه إسلامي المصرفية، مع مُشاهدتي أن دور البنك المركزي لم يرقَ لحجم الخلل، والتوصية هنا تفعيل دور البنك المركزي – بل وتأسيس جمعيات تُعنى بحماية جانب عملاء البنوك – في تطبيق المادة (العاشرة) من اللائحة التنفيذية لنظام الإيجار التمويلي، والتي تنص على أن: “للمؤسسة (البنك المركزي) إقرار صيغ نموذجية لعقود الإيجار التمويلي تراعي حقوق الأطراق ذات العلاقة. وعلى المؤجر الحصول على خطاب من المؤسسة يتضمن عدم ممانعتها على منتجات الإيجار التمويلي قبل طرحها، لضمان عدالة شروطها”.
ثالثاً: عدالة ربحية عقود المصرفية الإسلامية:
لقد كانت البنوك التقليدية تُسعر عمولتها على مبلغ التمويل الحقيقي المتبقي، مما يُرتب تناقص العمولة الكلية على مبلغ التمويل، بحسب جدول السداد، ثم توجهت البنوك الإسلامية بالتسعير بربح ثابت، الأمر الذي قد يخدع المتعاملين، كون العمولة ثابتة على مبلغ القرض الكلي، ستكون بنسبة أقل (في ظاهرها) من نسبة العمولة إن كان حسابها على المبلغ المُتبقي، وهو ما قد كان مدخلاً في بعض الأحيان، لتكون ربحية وعمولة عقود المصرفية الإسلامية أعلى من مثيلاتها لدى البنوك التقليدية، وهو لا شك أمر مرفوض إن أردنا تأسيس مصرفية إسلامية نُباهي بها عدالة المملكة، لا أن تستغل البنوك نموذجها الإسلامي ليكون مدخلاً في غُبن المتعاملين، وهو لا شك أمر لا يقبله مجتمع، ومن غير اللائق أن نُلحقه بالمصرفية الإسلامية.
رابعاً: عدم مُناسبة استغلال الهيئات الشرعية لأغراض تسويقية:
لدى المصرفية هيئات شرعية، تقوم مشكورة بأدوار جوهرية في مراجعة شرعية العقود، وأسلمتها، وكثيراً ما تستخدم البنوك فتاوى الهيئات الشرعية في سبيل تسويق مُنتجاتها، والمُستقرئ لواقع الحال، فإن هذه الهيئات مُغيبة في تلقي شكاوى المُتعاملين، ومراقبة التطبيق الواقعي للعقود، إذ لا يكفي لكي ندعي أن لدينا مصرفية إسلامية أن تكون العقود سليمة، في حين أن تطبيقها مُخالف، وقد اطلعتُ على بعض قرارات الهيئة الشرعية لبنوكنا، وهي تؤكد على مخالفة كل شكل من أشكال التطبيق غير المُجاز، وأن من واجبات الهيئة مراقبة أعمال الشركة المصرفية من الناحية الشرعية ومتابعة تنفيذ قراراتها، والتوصية هنا: أهمية أن تكون مثل هذه القرارات ذات تطبيق عملي، إذ أسلمة الأعمال المصرفية يتطلب عدم مخالفتها عقوداً وتطبيقاً.
إن من حق الجميع احترام ما تُفصح عنه بنوكنا الإسلامية وهيئاتها الشرعية، حيث لا يجوز لبنك أن يدعي شيئاً ويُسوق له، دون أن يُحققه بلا غش ولا إيهام.
خامساً: أهمية تحقيق التوازن ورضا العملاء واستقرار الاقتصاد:
بتتبع عدد قضايا لجنة المنازعات المصرفية نجد أن بنكاً إسلامياً في المملكة يحتل النسبة الكبرى من عدد القضايا لديها، الأمر الذي يؤكد أن الأمر ليس بالادعاء والشكل، وإنما بالمضمون والتطبيق.
والله أسأل لبلدنا الحبيب اقتصاداً متيناً، يُحقق لبنوكنا وتجارنا ما يصبوان إليه في ظل قيادة حازمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال