الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تزداد الإشارات الصادرة من الدول الصناعية (الولايات المتحدة، كندا، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان) المعروفة بمسمى مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) وضوحا على أن تحول مفصلي في طريقه للحصول في عالم الصناعة، فهذه الدول ذات المزاج الرأسمالي بدأت منذ مدة تستشعر أنها تفقد هيمنتها المستمدة من الآلة والسوق.
انتعشت سلاسل الإمدادات حول العالم عندما ارتفعت وتيرة تصنيع المنتجات الغربية أو أجزاء كبيرة منها في الدول النامية لأسباب عدة، من أهمها انخفاض تكلفة الإنتاج (تكلفة الإنتاج في الصين أقل من الولايات المتحدة بما يقارب 80 % وفي فيتنام بحوالي 86 %) وتوسيع رقعة التواجد الغربي المؤثر في هذه الدول النامية التي استفادت مما حصل في بناء قواها، و أوجدت لنفسها مواقع مؤثرة ومقلقة بسبب نشوء ما عرف بالسيطرة المعاكسة، وضعف الناتج المادي لكثير مما ينتج في الدول الصناعية كاستجابة طبيعية لقانون الإنتاجية المتناقصة بسبب ثبات مدخلات إنتاج محلية مقابل ارتفاع مدخلات إنتاج أجنبية.
الوضع الحالي ونتيجة ما حصل أوجد منافسة شرسة بين الشرق والغرب، مما استدعى الحاجة لإعادة توازن القوى لصالح المجموعة، من خلال وضع رؤية تحفز على الابتكار والنمو وزيادة الإنتاج وتوطينه وضمان تملك بنوك المعرفة لتعظيم الثروة والسيطرة في المستقبل، ولتوضع الصناعة في العالم اليوم على مفترق طرق.
من أهم أسباب الدفع لهذا التحول هو الحاجة إلى الاستجابة لمخاطر الإعتماد على مصدر واحد مثل الصين للمكونات الصناعية التي أصبحت مسألة تؤرق الدول الصناعية الكبرى خاصة الولايات المتحدة، وهذا يعني أن هذه الدول مهتمة جدا بمسألة الإستعداد للصدمات المستقبلية، والتركيز على جوانب المتانة المتكاملة بغرض ضمان الصلابة من أجل الاستدامة.
كما أن هذه الدول الكبرى بحاجة ماسة لإيجاد إنتاج أكثر تنوعًا وتوزيعًا، بغية إعادة التوازنات الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد المزيد من الوظائف بداخلها، وأيضا السياسية في علاقاتها مع الدول الأخرى، خاصة أن العالم يتغير بوتيرة متسارعة جدا في حضور ملفات جادة وساخنة مثل تغير المناخ، وأزمة التنوع البيولوجي، والأزمات الجيوسياسية التي يمكن – إن فلت زمامها – أن تؤدي لكوارث مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتوترات بين روسيا والإتحاد الأوروبي، والحرب التجارية الضروس بين الولايات المتحدة والصين، والمنافسة الشديدة على السيطرة على مخزونات المعادن خاصة في آسيا وأفريقيا، والتكاليف الباهظة للتضخم وللديون العامة المرتفعة لكثير من الدول بما فيها الكبرى.
الصناعة وعلى طوال تاريخها أثبتت أنها هي من تقود عملية التحول في المجتمعات، واقتصاداتها، وثرواتها، وقوتها؛ لذلك فإن هذا الملف الاستراتيجي الأهم على موعد مع واقع جديد من خلال إعادة رسم خارطة سلاسلها ذات القيمة العالية بغية إعادة توطينها داخل الدول الصناعية الكبرى.
الرسم الجديد للتواجد الجغرافي لمنظومة الصناعة يعني إعادة تجميع سلاسل الإنتاج ذات القيمة العالية داخل الدول الصناعية الكبرى لبناء الميزة التنافسية التي تضمن لها استدامة السيطرة، بعد أن انتقلت صناعاتهم – خلال الأربع عقود الماضية – تجاه بناء سلاسل معقدة مع تزايد تصنيع المنتجات عالية القيمة في البلدان النامية.
ما تخطط لتنفيذه الدول الصناعية الكبرى سيكون له تأثير سلبي وبشكل خطير على العديد من الدول النامية التي ستواجه صناعاتها تحدي وجودي، ليس فقط بسبب الطرق متسارعة التطور في ابتكار وإنتاج المنتجات وتقديم الخدمات بفضل الرقمنة وأنظمة الإنتاج المتشابكة والمشتركة التي غالبا لن تمتلكها (أو ستواجه صعوبة في تملكها)، ولكن أيضا في عدم تواجد سلاسل إنتاج ذات قيمة عالية فيها بسبب إعادة تموضعها خارج جغرافيتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال