الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حكم قاض في المحكمة العليا في مدينة نيويورك (2015) بالولايات المتحدة على طبيب جراح بدفع مبلغ 120 ألف دولار لثلاثة مرضى كتعويض بسبب رفضه معالجتهم لأنهم مصابون بفيروس نقص المناعة HIV مما يعد مخالفاً لحقوق المعاقين في القانون الأمريكي. الجدير بالذكر، أن الطبيب قد أخضع المرضى للفحص المختبري دون علمهم ورغم أن هذا الإجراء يعد أمراً طبيعياً إلا أنه يتطلب إعلام المريض بماهية الفحوصات المطلوبة. يقول أحد المرضى عن الطبيب إنه قد عامله بطريقة غير مهنية أوضح أنه لن يمس أي شخص مصاب بفيروس نقص المناعة (الإيدز).
كُيفت هذه القضية على أنها تمييز بين المرضى حيث القانون أوجب معالجة الجميع دون تفرقة بين مريض وآخر أو مرض دون مرض. في المقابل، نجد وثيقة حقوق المرضى في النظام السعودي تنص على أن حقوق مرض الإيدز لا تختلف عن حقوق المرضى عامة. أي من حقهم الحصول على جميع الخدمات الصحية تشخيصية أو علاجية مع المتابعة وأخذ الاحترازات اللازمة، وهو حق متفق عليه عالمياً في المجال الطبي.
إن رفض الطبيب – في هذه القضية – تقديم الخدمة الصحية للمرضى بعد أن عَلم بإصابتهم بذلك الفيروس؛ ينطوي على تمييز غير قانوني إذ من حق أي مريض تلقى العلاج المناسب لحالته دون اعتبار لنوع مرضه. ورفض الطبيب مجرد لمس المريض يتنافى مع الاحتياطات اللازمة التي يجب عليه مراعاتها. وكونه مصاباً ليس حجة في ابتعاد الطبيب عنه. إذ يعدُّ تصرفاً مبالغاً فيه وردة فعل غير مبررة. فالمريض لن يأتي إلى المستشفى وهو في أفضل هندام أو رائحة، بل المتوقع أن لا يُرى منه إلا الدم والقيء، ولن يُشم إلا ما يشبه العرق فما دون، وأخف ما يرى الطبيب دموع المريض.
يصل امتناع الطبيب عن أداء واجبه المهني إلى المسؤولية الجنائية، فنظام مزاولة المهن الصحية في مادة 28 فقرة 6 تنص على إقامة المسؤولية الجنائية على الطبيب في حالة امتناعه عن علاج مريض دون سبب مقبول. بل قد ألزم النظام الصحي السعودي المستشفيات الخاصة بتقديم العلاج وخاصة الحالات الاسعافية واستقبال أي حالة بغض النظر عن الجنسية أو جهة العمل ودون مطالبة مالية مسبقة، وأن على المستشفى الخاص خلال 24 ساعة من استقبال الحالة إبلاغ شركة إدارة المطالبات المعنية في وزارة الصحة من خلال آلية مخصصة لنقل الحالة إلى أحد المستشفيات الحكومية أو تحمّل الحكومة نفقات العلاج.
ذلكم فيما إذا ترتب ضرر على المريض جسيم تنعقد حينها المسؤولية الجنائية. ماذا في حال المرضى الثلاثة لو أنهم تعاقدوا مع الطبيب على علاجهم ثم اكتشف أنهم مصابون بفيروس لم يعلم عنه، و لم يفصحوا هم عنه. هل تنعقد المسؤولية العقدية هنا؟ قد يصح الجواب في حال عدم العقد على أنها مسؤولية تقصيرية فيما لو دخلوا على عيادة مجانية مثلاً وطلبوا علاجاً، فمن الصعب حينئذ القول بنشوء العقد هنا؛ حيث العقد يتطلب أداء نشاط معين وفق إرادتهما للتعبير عن قصد إبرام عقد. في المقابل، قد يكون للمستشفى حق في مطالبة أو مساءلة الطبيب بدعوى المسؤولية العقدية.
لكن ماذا عن المحكمة العليا وما سرّ تدخلها في القضية أعلاه؟ قد ينتقد البعض تدخلها على اعتبار أن المسؤولية عقدية حيث تُغلّ يد المحكمة عن نظرها لأن الإخلال ناجم عن التزام تعاقدي وهو من اختصاص محكمة الموضوع، ومحكمة النقض لا رقابة لها على الموضوع. وعند القول بأن المسؤولية تقصيرية فللمحكمة دور الرقيب لأنه تصرف ينطوي على التزام قانوني عام يهدف إلى عدم جواز الفعل الضار بالغير، مما يعطي الحق للمحكمة العليا في مراقبة مدى تطبيق القانون وتفسيره.
غير أن ذلك يُمكن أن يُجادل بأن المسؤولية الطبية مختلفة عن غيرها عند قصْر رقابة المحكمة العليا على المسؤولية التقصيرية فقط دون العقدية. وعلى أي حال يكون الأمر، فإن المحكمة العليا هنا ( في السعودية) قد أتاح لها المنظم سلطة الرقابة على تطبيق القانون، ويأتي هنا دور المحامي والمستشار في تكييف القضية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال