3666 144 055
[email protected]
يبدو أن هذا العام سيكون عام اختبار للاقتصاد العالمي، وبعد مرور 22 شهرا منذ بدء الجائحة وحتى اليوم، حيث حدثت تطورات عديدة حولت، واستطاع هذا الفايروس من أن يحول حالة الطوارئ الصحية الى أزمة عالمية اقتصادية واجتماعية، ومن الواضح أن معظم الدول نشطت بشكل فعال وحسب قدراتها وإمكاناتها الى تحصين مجتمعها بإعطائهم جرعات اللقاح، وحتى هذه اللحظة هناك أكثر من 50 في المائة من سكان العالم محصنين، وتتفاوت النسب ما بين من حصلوا جرعة واحدة وجرعتين وجرعة تنشيطية معززة. وتركت الجائحة أثرها على الشركات الصغيرة والمتوسطة من حيث انخفاض المبيعات والأرباح وأيضا التوظيف
الاختبار الذي تدخله اقتصادات العالم هذا العام هو إما أن تتجاوز هذه الأزمة ويبدأ الاقتصاد يعود تدريجيا، وهذا يتوقف مع تجاوب المجتمع في أهمية الحصول على اللقاحات حتى يتمكن من استعادة عافية اقتصاده، أو انه يبقى رهين مكافحة الفايروس ومعالجة المصابين، ومن اهم القطاعات التي ستخوض تجربة التعافي في عام 2022 وهو قطاع الصناعة ومستقبلها بعد الجائحة.
أثبتت جائحة كورونا التي اجتاحت دول العالم قبل عامين، أن صحة الإنسان أهم، ومتى ما كان في تمام عافيته، تعافى الاقتصاد والمجتمع، ومثلما تعرضت أرواح الناس لخسائر أو عدد المصابين، فالفايروس تسبب أيضا في أسوا ركود اقتصادي. وحينما أغلقت المصانع والشركات أبوابها، وازدادت أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، تفاقم العبءّ المضاعف الذي تتحمله النساء العاملات. علاوة على ذلك، فإن معدلات بطالة الشباب آخذة في الارتفاع مجددا في العديد من البلدان، حسبما جاء في تقرير التنمية الصناعية لعام 2022 لمنظمة الأمم المتحدة، الذي أشار الى أن القدرات الصناعية مهمة للصمود ليس فقط من اجل توفير فرص العمل، بل من اجل تلبية احتياج الناس من السلع والخدمات الأساسية، التقرير أشار أيضا الى أن البلدان التي تتمتع بقدرات تصنيع اقوى وقطاعات صناعية أكثر تنوعا، استطاعت أن تنجو من أثار الجائحة سواء من ناحية اقتصادية أو صحية.
من الواضح أن الاقتصادات الصناعية النامية والناشئة شكلت جزءا مهما للتخفيف من أثار الجائحة على الشركات والصناعات، كما ساهمت التكنولوجيات الرقمية في مساعدة الشركات على الانتقال الى أشكال العمل عن بعد، فضلا عن حفاظها على قاعدة المستهلكين والوصول الى مستهلكين جدد.
السعودية من الدول التي رسمت لصناعتها خطأ عموديا يتماشى مع رؤيتها بحيث لا تعيقها أي أزمات قد تواجهها، والمراقب لمؤشرات نمو عدد التراخيص الصناعية، يرى أنها في ازدياد، وخلال شهر نوفمبر فقط من العام الماضي أصدرت وزارة الصناعة تراخيص لـ 68 مصنعا باستثمار 735 مليون ريال، أما إجمالي المنشآت الصناعية القائمة وتحت الإنشاء بلغت أكثر من 10 الاف مصنع مقابل 9 الاف و630 مصنع في 2020، ما يعني أن أزمة كورونا.. لم تؤثر كثيرا على توجه المستثمرين لافتتاح مصانع جديدة.
تقرير الأمم المتحدة عن مستقبل الصناعة في 2022 أشار الى نقطة مهمة وهي أن إثر الجائحة اختلف على النشاط الاقتصادي مع اختلاف المناطق فمثلا الاقتصادات الصناعية اقل تأثرا من الاقتصادات الصناعية النامية والناشئة، وبلغت الخسائر في الإنتاج عام 2021 في الاقتصادات الصناعية نحو 4 في المائة بينما وصلت الخسائر لدى البلدان الصناعية النامية والناشئة لنحو 8 في المائة
وأظهرت الجائحة فوارق بين البلدان الغنية والفقيرة، وحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، فإن 60 في المائة بالمتوسط من سكان الاقتصادات الصناعية محصنة بالكامل، في المقابل هناك 27 في المائة فقط من سكان الاقتصادات الصناعية الناشئة والنامية محصنا، الأمر الذي يعني أن هذه البلدان لا تزال تعاني من أعداد المصابين واحتمالات تفشي العدوى، والأمر الذي تباطؤ نموها الاقتصادي والصناعي.
ويأتي أهمية انتعاش القطاع الصناعي مطلب مهم لأنه يسهم في قدرة هذه الدول للصمود أمام الاحتياجات الضرورية للمستهلكين وبالدرجة الأولى الصناعات التحويلية، كما أنها تنتج السلع الأساسية، بما في ذلك الطعام والشراب والأدوية والملابس والوقود، وتخلق فرص عمل وتحافظ على ديمومة الحياة، ويوفر التصنيع كما تشير منظمة الأمم المتحدة استمرارية نشاط النقل والكهرباء والاتصالات، كما يلعب دورا مهما في توليد الوظائف والدخل والابتكارات.
من سيكسب الرهان هذا العام، تلك الدول التي تمتلك قدرات صناعية من مهارات شخصية وجماعية وتمتلك المعرفة الإنتاجية مثلما أشار تقرير الأمم المتحدة لمستقبل الصناعة لعام 2022، وخاصة تلك الصناعات التي تتعلق بالتكنولوجيات الجديدة. وربما من اهم عوامل نجاح القطاع الصناعي هذا العام وهو أهمية أن تتجه الشركات الى إدخال تغييرات تنظيمية لتوفير متطلبات الصحة والسلامة، مع اطلاق أو تعزيز النشاط التجاري وتسليم السلع أو الخدمات عبر الأنترنت وإدخال معدات جديدة للتخفيف من العمالة المطلوبة في ورشة العمل، وتلعب الرقمنة وأنترنت الأشياء دورا مهما وفاعلا خلال المرحلة المقبلة، مثلا إدارة المصنع عن بعدن وأتمتة استبدال العمالة بالروبوتات، واستخدام التكنولوجيات الرقمية للحد من الاتصال الجسدي، الى جانب تحسين عملية تخزين المواد القابلة للتلف بأجهزة استشعار ذكية. ويبدو أن البلدان الآسيوية قررت أن تزيد استثماراتها في المعدات الجديدة، وفي البرمجيات بنسبة 54 في المائة، وتغيب عن خارطة التعافي الاقتصادي، البلدان الأفريقية، نظرا لظروفها، وتبدو حظوظ الدول الأسيوية في زيادة حصتها من انتقال إنتاج الشركات الكبرى في البلدان الصناعية الى دول أسيا، لعدة أسباب من أهمها انخفاض التكلفة التشغيلية ورخص أيدي العمالة في هذه البلدان وأشار التقرير الى أهمية التحول الى الصناعة الخضراء وتخفيض انبعاثات الكربون. وكل هذه التحولات مرهونة بتعافي المجتمع من الجائحة.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734