الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تصدرت المملكة العربية السعودية للمشهد الدولي – كما هو ديدنها في تعاطيها بمسؤولية ورقي للملفات العالمية الأكثر حساسية وتعقيدا – من خلال مؤتمر التعدين الدولي الذي أقيم في الرياض في الفترة من 11 إلى 13 يناير، الذي يعتبر أول حدث دولي يجمع فيه أهم الأطراف من صانعي القرار والمستثمرين والعلماء والمهتمين بصناعة التعدين والمعادن، وفي ظل قلق عالمي من ضبابية الرؤية في هذا القطاع الاستراتيجي.
من أهم أسباب هذه الضبابية هو فيما يتعلق بالوصول إلى المراقد الثرية بالمعادن اللازمة لدفع اقتصاد الكربون الدائري في المستقبل، والتأكد من أن إمداداته أكثر استقرارًا وموثوقية، لأن في حال عدم الوصول المأمون فإن عملية التحول العالمي إلى اقتصادات ومجتمعات خضراء ستواجه تحديات صعبة في طريق تقدمها واستدامتها مستقبلا.
أيضا، مسيرة العالم بالجرأة المتسارعة الحالية نحو التحول إلى الطاقة الخضراء ستقود لتدافع لا يعرف مداه من شأنه أن يرفع فيه الطلب على المعادن الهامة والحرجة لمستويات ربما تكون جنونية لدعم التحول، خاصة أن الأنظمة الكهربائية الجديدة تتطلب كميات هائلة من هذه المعادن، مثل “توربينات” طواحين الرياح التي ستضغط على مخزونات المعادن بسبب المغناطيسيات المستخدمة فيها، وأيضا وسائل المواصلات مثل السيارات الكهربائية التي ستستخدم معادن أكثر بستة أضعاف الكمية المستخدمة في السيارات المستخدمة للوقود الأحفوري، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
كما أن العالم يعاني من عتامة بخصوص صحة أرقام احتياطيات المعادن ما بين مؤكدة وغير مؤكدة ومتوقعة ومحتملة، وأيضا موثوقية سلاسل التوريد الخاصة بالمعادن، بجانب تقلب الأسعار للمعادن والتساؤلات العديدة حول جودة الرواسب المتاحة والتي ستكون آخذه في الانخفاض بوتيرة متسارعة، وصعوبات الاستطلاع والكشف والإنتاج بسبب مواجهة شركات التنقيب والتعدين عن المعادن لمعايير حوكمة بيئية واجتماعية تزداد صرامة.
أما الاحتكار في صناعة التعدين والمعادن فهي مسألة تؤرق الجميع أيضا، فحسب تقارير وكالة الطاقة الدولية توجد ثلاث دول فقط متحكمة في أكثر من 75 % من المعادن المطلوبة وهي الصين المتطرفة في حماية مصالحها وعدم شفافيتها، وأستراليا البعيدة عن قلب العالم، والكونغو الكامنة في محيط تشريعي غير مستقر.
من هنا، كانت أهمية مؤتمر الرياض، الذي تمكّن في تأمين مستوى عالي من الطمأنة حول ما يخشاه العالم في مضمار التعدين والمعادن، فقد كان الجميع متنبها لما تقدمه المملكة أثناء المؤتمر، لما ظهر عليها من سمات كعضو قضائي أساسي جديد في صناعة التعدين، وبمخزون مهول من المعادن المتنوعة يقدر بحوالي 1.3 ترليون دولار مدعوما بمعلومات جيولوجية وجيوفيزيائية وجيوكيميائية متراكمة منذ 80 عام ومتاحة بكل شفافية للمستثمرين، وكدولة تؤمن بحماية الاقتصاد العالمي والمصالح المشتركة، ومتوسطة العالم لتربط ثلاث قارات ببعضها، وذات استقرار جاذب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
كما حظي المؤتمر بأهمية بالغة بسبب ظهور المملكة كنقطة انطلاق لوضع أسس مخططًا واسعا لبناء وتمويل صناعة التنقيب عن المعادن والتعدين الحديثة والمستدامة، وهذه مسألة في غاية الأهمية للعالم وتتعدى اهتمام دول الشرق الأوسط أو غرب آسيا أو أفريقيا، فقد وضعت المملكة قانونا جديدا للاستثمار في المعادن والذي فعّل العام الماضي، والذي يعتبر من أفضل الممارسات العالمية لتحلية بتشريعات تعتبر الأكثر تنافسية وشفافية في العالم، مما نتج عنه وفي خلال أقل من عام فقط إصدار 13 رخصة استطلاع، و 133 رخصة استكشاف، و 8 تراخيص استغلال، لذلك فالفرصة مواتية للحكومات على مستوى العالم للاستفادة منه كنموذج يمكن تطبيقه لديها كاستراتيجيات للاستثمارات في التعدين والمعادن.
يبدو أن العالم سيمضي قدما في إعادة رسم مستقبلي لدور التعدين كصناعة مستدامة انطلاقا من الرياض، ذات الأجواء التي تساعد على ترسيخ وتنظيم صناعة التعدين لإنتاج المعادن الخضراء اللازمة لإمداد العالم بالكهرباء، وسلاسل إمداد موثوقة أثناء انتقاله إلى اقتصاد الكربون الدائري، مما يؤهل المملكة أن تتصدر المشهد في التعدين والمعادن دوليا، كما هو واقع حالها في أمن الطاقة العالمي وتوازن أسواق النفط.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال