الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ماذا سيحدث في المستقبل، لو رأيت على سبيل المثال جارك الذي تشاهده كل صباح يقود سيارته ومعه أطفاله لإيصالهم للمدرسة، هل ستكتفي بالقاء السلام عليه من بعيد؟، أم تكتفي بإبتسامة مجاملة باهتة؟ هل ستتجاهل الأمر وكأنك لم تشاهده ولا يعنيك؟ في الغالب أن تصرفك آنذاك سيكون مختلفاً وأغلب الظن أنك وبسرعة ستقوم بإبلاغ الجهات الأمنية مفزوعاً بأنك رأيت أحداً ما سمح لمجموعة من الأطفال بالركوب في وسيلة مواصلات يقودها كائنٌ بشري، وتلك ربما تكون مخاطرةٌ في ذلك الزمان بالغة الخطورة وربما أيضاً جريمةٌ لا تغتفر.
إن كُنت تظن ان هذا الكلام محض خيالْ بعيد، فإن مدينة ملهمة مثل “نيوم” والتي قد تصبح القيادة الذاتية للمركبات فيها هي الأساس ليست عنا ببعيد. وأنت تستطيع كما قفزت للمستقبل أن تقفز للماضي عشرات السنين، وتخبر احد ما أنه لن يكون مضطراً في المستقبل للذهاب للجوازات على سبيل المثال لاصدار جواز سفر فالجواز سيأتيه الى بيته، وانه سيحمل جهازاً صغيراً في جيبه ليس للاتصال فقط بل سيحمل فيه نسخة تفاعلية من هويته، ورخصة القيادة بل وسيكون ذلك الجهاز الصغير هو وسيلة الدفع ولن يحتاج لحمل أموال معه وايضا سيتمكن الشخص من التسوق بذلك الجهاز من أي مكان في العالم، لربما ظن ذلك الشخص الذي تحدثه أن خيالك مفرطٌ وجامحٌ للغاية وأن هذا الواقع الذي نعيشه اليوم هو المستحيل بعينه.
إلى أين يذهب بنا التطور التقني، كثيراً ما أسأل هذا السؤال، ورغم صعوبة إجابته وتعدد أوجه هذه الإجابات مع الضبابية والسرعة الهائلة للتطور التقني إلا أن ضوءاً بدأ يلوح في آخر النفق، مما يجعلني وغيري من المهتمين بآفاق و مستقبل التقنيات يظنون أن التقنيه في احد أهم مساراتها الرابطة بين التطور التقني و التطبيقات الواقعية ستذهب بنا سريعا بل وربما أسرع مما نتخيل الى عالم آخر.. عالم الميتافيرس.
في هذا المقالة احاول تقريب مفهوم الميتافيرس بشكل مبسط، وهي نتائج حلقة نقاش ثرية مع احد رؤوساء الشركات العاملة والمنطلقة في بحر الميتافيرس وهو زميل بإحدى الدورات التدريبية التفيذية بكلية هارفارد للأعمال، استجاب مشكورا ليوضح لعشرات التنفيذين من مختلف انحاء العالم ما هي الصورة الحقيقية لهذا العالم، سجلت ملاحظات عديدة لنفسي و لكن لقلة المحتوى العربي الذي يتحدث عن هذا العالم الجديد ، و لجوهرية هذه الملاحظات فضلت ان اعيد نشرها لعلها توضح بعض ملامح هذا العالم الجديد الغريب وتنفض عنه بعض الغموض:
-الميتافيرس هو عبارة عن شبكات اجتماعية تعتمد على الواقع المعزز والافتراضي، فهي شبكات اجتماعية تستخدم الواقع الثلاثي الأبعاد أي أنك عندما تدخل لهذه الشبكات و تلبس النظارة الخاصة بها تجدها تشبه الحياة الحقيقة الى حد كبير فتستطيع أن تمشي وأن تسافر وأن تقود السيارة أو حتى أن تطير بشكل شبه حقيقي بل و تشاهد نفس المشاهد التي تشاهدها كما لو أنك تعيشها بشكلٍ حقيقي .
-لكي تدخل الميتافيرس لن تدخله بصفتك الشخصية كمستخدم وإنما بشخصية رمزية (أفتار) وهو أقرب ما يكون للشكل الذي يستخدم الان في السناب شات كصورة يرمز بها الشخص لنفسه، ولكن في الميتافيرس فإنك تتحول فيها من فرد طبيعي(مستخدم) الى فرد رقمي (افتار) بقدرات مختلفة ولا محدودة ، و تستطيع ان تبني عشرات الأفتارز و تعيش عشرات التجارب الحياتية المختلفة.
– ومثال ذلك أن يصنع الشخص لنفسه افتار ثري جداً يستمتع بكل مباهج الحياة التي يستمتع بها الأثرياء بشكل واقعي. أو افتار آخر يسافر به لكل مكان للعالم دون أن يغادر مكانه أو مجموعة من الأفتارز يتسوق كل واحد منهم له في مكان، أو مجموعة أخرى من الأفتارز يدرس كل واحد منهم في مكان، ليس ذلك محصور في مجالات الخير فقط بل في كل مجال. والافتارز قد تصبح ذات قيمة عالية و تستثمر و تعيش لفترات طويلة حتى بعد وفاة اصحابها الحقيقين.
– يستخدم الشخص للدخول للميتافيرس غالبا شبكة الانترنت والبنية التحتية في بلاده للإتصال وادوات الواقع المعزز والافتراضي (نظارات خاصة) وربما بعض اجهزة إنترنت الاشياء، والتي قد تسهل تفاعله مع أتباعه و معجبيه من الأفتارز الآخرين وخصوصاً اذا استخدمت الترجمة اللغوية الفورية بحيث يتحدث الإنسان بلغته الأساسية ويترجمها الافتار الخاص بشكل فوري الى لغة الأفتار المقابل بدون الحاجة لمترجم او وسيط.
– عالم الميتافيرس لا يزال في بداياته هو العالم الذي سيعيش فيه غالباً في المستقبل، الاطفال الذين تبلغ اعمارهم اليوم سبع سنوات أو أقل، أي مرحلة الصف الأول ابتدائي اليوم ومن هم أصغر عمراً من ذلك ولا تزال التقنيات في بداياتها ولكن امكانياتها ستكون كبيرة و مذهلة في المستقبل.
– اكثر استخدامات الميتافيرس اليوم هي معارض تجارية او فنية او لقاءات أعمال وموتمرات ، وهي اشبه ما تكون بمرحلة التجريب والملاحظة، ولكن الجوانب التجارية و تطبيقات الاعمال بشكل ربحي لا تزال في بداياتها..
-الدراسات الأولية لحجم سوق الميتافيرس خلال الخمس سنوات القادمة ستتجاوز ٨٠٠ مليار دولار مع سباق محموم في الإبتكار و التملك والاستحواذ على هذه التقنيات والشركات المالكة. وهذا الهوس الإستثماري يأتي مدعوم بحديث واهتمام كبار ملاك الشركات التقنية مثل فيس بوك والذي ساهم في اشعال شغف واهتمام غير مسبوق بعالم الميتافيرس وأطلاق سباق محموم هم أول الراكضين فيه الى هذا العالم أحياناً حتى بدون دوافع تجارية واضحة لكل الراكضين ..
-لا احد يملك عوالم الميتافيرس و يستطيع كل أحد ان يبني ميتافيرس خاص به (عدد الميتافيرس غير محدود) ولكن نجاح عالم الميتافيرس الخاص بكل “صانع ميتافيرس” إن جازت التسمية يعتمد على قدرته في جذب المستخدمين والافتارز، وشخصيا اتوقع تفوق لشركات الالعاب في هذا المجال بالاضافة للشبكات الاجتماعية الحالية.
-الميتافيرس هو البداية فقط.. فبعد ظهور الميتافيرس .. سيظهر الميغافيرس والقيقافيرس.. فلو افترضت على سبيل المثال أن الميتافرس هو شبكة بنوك تجارية افتراضية فإن الميغافرس هو الاسواق المالية في حين أن القيقيا فيرس هو النظام المالي العالمي الجديد او شبكة الانترنت التي تربط بين كل من الميتافيرس والميغافيرس.
– يؤدي غياب الحوكمة الى ظهور أنماط جديدة من الشرور ربما حتى لم يسبق لنا أن سمعنا بها ولذلك يتوقع أن تلعب الحكومات دوراً بالغ الأهمية في حوكمة الميتافيرس والميغافيرس والقيقافيرس طالما أن المستخدم الحقيقي فوق اراضيها ويستخدم شبكاتها للنفاذ لهذه العوالم..و سيقتضي ذلك قفزة كبيرة وهائلة في التشريعات والتنظيمات والتفكير الاستراتيجي.
وختاماً اظن والله أعلم أن الأكثر ذكاءاً ليسوا من سيتملكون عوالم الميتافيرس المختلفة ولا حتى انظمة الميغافيرس، بل من سيتملكون في المستقبل.. عالم القيقافيرس. وهي فرصة ذهبية لا تقدر بثمن.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال