الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أؤمن بأن التغيير هو أصل الحياة وثبات الأمور واستقرارها هو حالة استثنائية نتوهمها عندما لا نكون مدركين للتغيير من حولنا. ومهما استشعرنا ثبات الأمور هي في حقيقتها تغيير يحدث ببطء. تمامًا مثل التفاعلات الكيمائية، تتداخل مع بعضها وتتأثر وتبدأ بالتحول البطيء غير الملحوظ إلى أن تنتج عناصر جديدة. قطاع الأعمال بالتأكيد لا يخرج عن هذه السنة الكونية. فكل تغير ظهر بشكل مباغت وكسر حالة اعتدنا عليها، كان امتداد لسلسة من التغييرات البطيئة. وما حدث مؤخرًا في العالم من تغييرات تبدو مفاجئة في ظاهرها كان له جذور خفية قبل أن تظهر لنا على السطح.
التغيير هو أصل عالمنا
لو استرجعنا أبرز الأحداث العالمية منذ الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي إلى جائحة القرن. لوجدنا أن إيقاع العالم كان يمر بوتيرة منتظمة من التغيرات غير المتوقعة، ولم يمر في فترات استقرار ثابتة أبدًا. ومن واقع خبرتي في عالم الأعمال أجد أن العالم يتجه إلى عدم الاستقرار أكثر من أي وقت مضى. وبذلك لابد أن نتراجع عن فرضية أن المتغيرات أمور استثنائية، ونستبدلها بنظرية مفادها أن التغيير الطارئ والفرص المصاحبة له أمور اعتيادية وتأخذ شكل الدورات الاقتصادية.
الإنجازات البشرية الكبيرة تظهر في أوقات التغيير
يشهد تاريخ الأعمال أن أهم النجاحات والابتكارات الإنسانية تظهر في فترات التغيير والأزمات الاقتصادية.
ففي فترة الكساد العظيم، أنشأ “سيرز روباكس” شركة “أولستيت” للتأمين على السيارات، وأسس كل من “بيل هيوليت” و “ديف باكارد” شركة “هيوليت باكارد”، كما قدمت شركة “جنرال إليكتريك” مصابيح الفلوريسنت للإضاءة. وفي فترة الانكماش الاقتصادي في عهد أيزنهاور، افتتح “راى كروك” أول مطاعم “ماكدونالدز”.
وفي فترة حرب فيتنام والركود التضخمي، أسس “بيل جيتس” و”بول ألن” شبكة مايكروسوفت، واخترع “آرثر فراى” و “سبنسر سيلفر” الأوراق اللاصقة لكتابة الملاحظات. وفي أكبر ركود عرفه العالم منذ الكساد العظيم عام 1981 بدأ البث لقناة MTV وقدمت مايكروسوفت برنامج WORD في عام 1983. كما ظهرت الشبكة العالمية WWW أثناء حرب الخليج. وأثناء أحداث 11 سبتمبر في عام 2001 ظهر جهاز ipod و في عام 2002 قدمت شركة “ريم” منتجها “بلاك بيري 5810. ونستطيع أن نستمر في سرد العديد والعديد من الإنجازات حتى وقتنا هذا.
كما أن أحد أهم الأمثلة على النجاح وقت التغيير في المملكة، القفزة غير المسبوقة التي حققتها تطبيقات المطاعم وتوصيل الأغذية السعودية في ظل أزمة كورونا. فالحجر الصحي والخوف من الخروج من المنازل وجه سلوك المشتري السعودي للتسوق الإلكتروني، عوضًا عن الذهاب لمراكز التبضع حتى أصبحت هذه التطبيقات أسلوب حياة لا يُستغنى عنه. مما سرع وتيرة التجارة الإلكترونية وخلق فرصًا هائلة لأصحابها. فقد استطاع تطبيق جاهز السعودي أن يقدم نفسه كمنتج ناجح في ظل أصعب أزمة عالمية. ونجح في أن يكون أول شركة ناشئة تدرج في السوق السعودية (تداول) عندما حقق أكبر صفقة في الاستثمار الجريء في تاريخ المملكة بقيمة 137 مليون ريال ممولة من قبل مستثمرين من القطاع الخاص، وذلك عن طريق إغلاق جولة استثمارية بقیادة Impact46 وتحت صندوقها Impact growth الداعم للشركات الناشئة.
تقبل التغيير لا يعني عدم جدوى التخطيط
قد يتساءل البعض: إذا كان عالم الأعمال يمر في حالة تحول مستمرة فما جدوى التخطيط؟ كل نماذج رواد الاعمال السابقة نجحت لأنها سلمت بأهمية التغيير أولًا، ثم خططت له بذكاء ثانيًا. فعوضًا عن الاعتماد على خطط مفصلة طويلة الأمد. اعتمدوا أسلوب الاستعداد بشكل مستمر للحالات الطارئة، والتوقع واستثمار الفرص الناشئة، والتعامل مع المؤثرات المزعجة غير المتوقعة. مما أكسبهم القدرة على التفوق بسرعة على الشركات الناشئة الأخرى والشركات العملاقة ذات الموارد الغنية.
في المقابل، تخبَط بعض المدراء التنفيذيون عندما فاجئهم التغيير لأنهم أسندوا أعمالهم للظروف المستقرة. ولأن منهجهم اعتمد على تطوير الخطط طويلة الأمد، وتنفيذ هذه الخطط بأسلوب منهجي غير واقعي بهدف الحفاظ على الميزة التنافسية وهذا بدوره يفسر فشل حوالي 70٪ من جميع مبادرات التغيير. لذلك من الضروري أن يدرك المدراء التنفيذيون هيمنة التغيير على عالم الأعمال حتى تستطيع شركاتهم تحقيق الاستدامة.
أخيرًا، فكر عزيزي القارئ في اخر تغيير مزعج حصل لك على الصعيد المهني؟ وحاول أن تراجع السيناريو من جديد وتقرأ تفاصيله من زاوية مختلفة. بالتأكيد ستجد بأن هذا الظرف المفاجئ لم يكن استثناءً، بقدر ما هو امتداد طبيعي لتغييرات سابقة أوصلتك لنتيجة جديدة، وإن نظرت بعمق حتمًا ستجد أنها تحمل في طياتها الكثير من الفرص.
لقراءة المزيد:
https://albadr.com/
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال