3666 144 055
[email protected]
خلال الأسبوعين الماضيين، سرقت من وقتي وأمضيت بعض الوقت للجلوس مع عدد من كبار السن أراقبهم ابحث عن اهم احتياجاتهم، وجدت أن لكل منهم له احتياجاته الخاصة ومتطلباته حسب البيئة التي يعيش فيها والمجتمع الذين من حوله، إنما في المجمل اكثر ما يقلق هؤلاء كبار السن انتظام علاجهم وحصولهم على الأدوية التي تساعدهم على العيش بصحة، الاعتناء بهم غذائيا في الأوقات التي يتطلب منهم تناول وجباتهم، قضاء حاجاتهم الضرورية من استحمام و الذهاب لدورات المياه، ثم تأتي بعد ذلك الاهتمامات الأخرى ، مثل جلوسهم بمفردهم وقت أطول ، التي تجعلهم كثيري النوم، والشعور بالملل، والاهتمام بنظافة ملبسهم ومظهرهم الخارجي، والاعتناء بهم من نظافتهم الشخصية البدنية، أو أخذهم ومرافقتهم الى الخارج الى أو ممارسة المشي.
يجب أن نعرف أن حياة كبار السن في السعودية تختلف ما بين المدينة والأرياف، وأيضا ما بين من يسكنون العمائر وأخرين الذين يعيشون في الفلل، وتختلف حياة كبار السن على حسب الطبقات التي يعيشون فيها، وربما الطبقة الفقيرة والمتوسطة يعاني كبار السن من عدم توفر الرعاية الطبية بشكل مناسب واعتمادهم على الخدمات الطبية الحكومية، ونحن نعلم أن الخدمات الحكومية تستغرق وقت أطول في اخذ مواعيد أو حجوزات لزيارة الطبيب، فضلا أن أماكن سكنهم في عمائر أو أحياء ضيقة تمنعهم من الحركة داخل المنزل أو الخروج الى الشارع، فهذه العمائر لا تتوفر فيها حماية أو وسيلة سهلة لتنقلاتهم، ويتطلب طلب المساعدة من احد أفراد الأسرة، وعادة لا تتوفر إلا بوقت متأخر لأن معظم أفراد الأسرة يكونوا إما ملتزمين مع أسرهم أو مرتبطين بإعمال.
بالطبع لم أكن أجري بحثا أو دراسة، بقدر ما كنت ارصد أحوال المسنين من خلال تجوالي على مدى أسبوعين، ونحن على وشك صدور لائحة تنفيذية لحقوق كبار السن، بعدما اقر مجلس الوزراء السعودي مشروع النظام الجديد والامتيازات الخاصة ويحفظ الحقوق الاجتماعية والمالية والقانونية لكبار السن. وهذه خطوة جدا ممتازة الاهتمام بـ “بركة البيت” وينص النظام الجديد على منح كبير السن امتيازات خاصة ويحفظ حقوقه الاجتماعية والمالية والقانونية. وكذلك ينص على عقوبات صارمة بغرامات مالية أو السجن تجاه من يسيء لكبير السن ويستغل أمواله سواء كان من الأفراد أو الجهات الاعتبارية. كما يهدف النظام إلى ضمان إجراء الدراسات والبحوث وتوفير البيانات اللازمة لتطوير الخدمات الخاصة بكبار السن، ودعم الأنشطة التطوعية، وتأهيل المرافق العامة والتجارية والأحياء السكنية والبيئة المحيطة والمساجد لتكون مناسبة لكبار السن. وأكد النظام على أن من حق كبير السن العيش مع أسرته وعليها إيوائه ورعايته وفق تسلسل الرعاية وألا يجوز لدور الرعاية إيواء كبير السن إلا بعد موافقته أو صدور حكم قضائي بذلك. كما يمنح النظام كبير السن بطاقة امتياز من الوزارة تمكنه الحصول على الخدمات والامتيازات.
طبيعة الحياة الأسرية في الوقت الراهن تختلف عما كانت عليه من قبل، في السابق كان رب الأسرة بمفرده هو من يقوم بخدمة عائلته، ثم مع تطور التعليم دخلت المرأة السعودية بقوة، سوق العمل وأصبحت الكثير من الأسر فيها الزوج والزوجة يعملان، حتى حدث التحول الكبير وأصبح كل أفراد الأسرة كل منهم يعمل، ولا تجد أحد منهم في المنزل، ولهذا يكون الاعتناء بكبار السن قليل من أفراد الأسرة.
أمام هذه الفجوة ما بين المجتمع والأسرة وكبار السن، يحتاج الى طرف آخر يقوم بهذه المهام كمساعدة وأيضا لتحسين جودة الخدمات، وهو تشجيع القطاع الخاص على تقديم خدمات لكبار السن، تلك التي يقدمها أفراد الأسرة من رعاية واهتمام والقيام بواجبات عديدة إما لانشغالهم أو لعدم وجودة وقت لديهم، على أن تكون مقابل اشتراك شهري أو أسبوعي على حسب احتياجات كبار السن، وأيضا تقوم الجمعيات الخيرية الخاصة بكبار السن بتقديم الخدمات المساندة، من رعاية واهتمام وإقامة نوادي ترفيهية واجتماعية وأخرى لممارسة الرياضة.
حينما طرحت في صفحتي على الفيس بوك اطلب من أصدقائي مساعدتي في اهم احتياجات كبار السن لدينا، معظمهم كان يطالب بخدمات إضافية مثل إيجاد مواقف خاصة لكبار السن كما هو معمول لذوي الاحتياجات الخاصة، وصف خاص في أماكن تقديم الخدمات، مع تقديم خدمة صف السيارات لكبار السن، احدهم اقترح خدمة مجانية لوسائل النقل العام والأجرة وأيضا تخفيض قيمة تذكرة الطائرة الى النصف، وإعفاءهم من رسوم دخول الفعاليات والمهرجانات وتخفيض قيمة التامين الطبي والزام شركات التامين ضرورة القبول وعدم الهروب من إضافة التامين لكبار السن، من المقترحات أيضا إعفاء كبار السن من المقيمين من رسوم تجديد الإقامة والخروج والعودة، وأيضا المقابل المالي، خاصة وان في سنهم لا يستطيع توفير هذه المبالغ، ويمكن أن يكون عبء على أسرته في دفع المبلغ المطلوب، أسوق هذه المقترحات لعلها تساعد صانعي القرار وأيضا الجهات المشرعة في وضع لائحة تنظيمية لحقوق كبار السن، من بين الاقتراحات التي وصلتني أيضا منح كبار السن بطاقات تصدر من وزارة الشؤون الاجتماعية يمكنهم بموجبها الحصول على امتيازات من عدة جهات وأولوية في الخدمات والتسهيلات، مثلا عند مراجعتهم للطبيب، وتخفيض أو إلغاء رسوم الخدمات الحكومية من استقدام عاملات متخصصات أو سائقين لكبار السن والقائمين على خدمتهم، والزام شركات التأمين الصحي بالموافقة للتأمين بمفردهم وعدم إلزامهم بوجوب وجود شخص آخر في بوليصة التأمين، وتخفيض رسوم التأمين الطبي، كما طالب البعض بالزام القطاع الخاص باستمرار التامين الصحي للموظف وزوجته بعد التقاعد وتجاوزه سن الستين، من بين كبار السن من هو قادر على العطاء سواء في مجال تخصصه ومهنته وعملهن وأيضا من خلال تجربته في الحياة، ويمكن الاستفادة منهم من حيث الخدمات الاستشارية ومن يستطيع منهم ممارسة العمل بحيث يعينه في مصدر رزق في شيخوخته.
كلنا امل أن يخرج اللائحة التنفيذية التي ينتظرها كبار السن في السعودية، احد التجارب النموذجية سواء على مستوى منطقة الخليج أو العالم العربي، حيث أن المجتمع السعودي يعطي لكبار السن اهتمام بالغ انطلاقا من التعاليم الإسلامية والقيم والمبادئ التي تربى عليها المجتمع السعودي، وليس مثلما يحدث في المجتمعات الأخرى، وعدد المسنين في السعودية نحو مليوني شخص ذكور وإناث، واعتقد الاهتمام بهم ورعايتهم ليست مسألة صعبة سواء من حيث مخصص شهري للضعفاء منهم لتغطية التزاماته الشخصية واحتياجاته، ومشاركة كافة المؤسسات الحكومية بطرح أفكارها وبرامجها المتعلقة في خدمة كبار السن، وأيضا سرعة مشاركة القطاع الثالث بأهمية عمل برامج وخدمات وأيضا تشجيع جيل اليوم على تقديم خدمات لهم بطريقة فعالة ومنظمة، تحفزهم للقيام بدورهم تجاه كبار.
مسؤولية رعاية كبار السن ليست فقط مسؤولية الجهات الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني، بل أيضا مشاركة كافة أفراد المجتمع والأسرة كل من موقعه، وكبار السن في مختلف الدول يفضلون الالتقاء بزملائهم الذين كانوا يعملون معا أو جمعتهم ظروف العمل، فيمضون أوقاتا جميلة يستعيدون فيها أيام العمل، فمثلا لا يمنع أن تنشا أندية لقدامى اللاعبين والمحاميين والعساكر وهكذا بقية المهن والوظائف ويلتقي فيها هؤلاء كبار السن مع بعضهم رجال ونساء.
وحسب تقارير أممية يتوقع أن يتجاوز عدد من يبلغون 65 عاما فأكثر عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات على مستوى العالم، وفي المقابل يزيد عدد المعمرين الى 3 أضعاف بحلول عام 2050، ولعل من اهم الأسباب التي تؤدي الى تفوق كبار السن الأسرع نمو هو تراجع معدلات الخصوبة باستثناء أفريقيا تقترب أو تقل عن مستوى الإحلال المطلوب لضمان عدم انخفاض أعداد السكان، وهذا يعني وفق تقارير الأمم المتحدة فإن المسنين قد يصبحون مشاركين فاعلين في الاقتصاد ككل أو ما يسمى “الاقتصاد الفضي” الذي يشمل إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات وتلبية الاحتياجات الاستهلاكية والمعيشية والصحية لكبار السن. وخلال العقود المقبلة سيكون العصر الفضي لنحو ربع سكان العالم لما فوق 60 عاما حقيقة واقعة، لتنامي هذا القطاع بسرعة وخاصة لشركات التامين وإيجاد حلول مبتكرة القائمة على التكنولوجيا. كلنا أمل أن تخرج اللائحة بخدمات وامتيازات غير تقليدية، ولا تقوم على الخدمات الشفوية بقدر ما يهمنا أن نرى خدمات ملموسة وفاعلة تليق بـ “بركة البيت”
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734