الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تابعت كغيري مؤخراً لقاءً لأحد الضيوف في قناة تلفزيونية محلية يطالب فيه بتوطين مهن عمال النظافة مما أثار موجةً من الغضب والاستهجان على مواقع التواصل الاجتماعي وفي رأيي أن الموضوع لا يستحق إثارة الجدل حوله لعدم قابليته للتطبيق أساساً في سوق العمل السعودي لعدة عوامل وليس آخرها أن نسبة التوطين في القطاع الخاص مجملاً لا تتجاوز ٢٤٪.، لكن دعني أقف احتراماً أولاً لهذه المهنة ثم أهمس لك بقصة قبل النوم تدور في فلك هذا الموضوع.
زرت في يومٍ مشمس أحد الأصدقاء (العزاب) في شقته بالرياض وإذا بأحد العمالة يقوم بتنظيف الشقة وترتيبها وبحكم ميلي للتعرف على ثقافات الشعوب بدأت أتجاذب أطراف الحديث مع ذلك العامل وطبعاً قدت الحوار بسؤالنا التاريخي “لكم سنةٍ تعمل في السعودية؟” (بصياغة مختلفة بالتأكيد). جرى الحوار بسلاسة حول عمله كعامل تنظيف لإحدى الشركات بمرتب ٨٠٠ ريال إلى أن صدمني بمعلومة أنه يقوم بتحويل راتبه لبلده بالكامل!
هنا دفعني الفضول لأسأله كيف يعيش فأجاب أنه ينظف ستة شقق أخرى لعزاب آخرين ومن هذا المال يعيش مستأجراً مع سبعة أشخاص من أبناء جلدته في غرفة واحدة. غادر العامل في أقل من نصف ساعة وبدأت بسؤال صديقي عن أجرته فأجاب أنه يعطيه ٢٠٠ ريال في الشهر مقابل التنظيف لثلاثة أيامٍ في الأسبوع. أي سعر تنافسيٍ ذلك؟ لكن الشارع العام المقابل ممتلىء بشقق العزاب فكم يا ترى الحصة السوقية لصاحبنا؟
حسناً، ضاعفت عدد الشقق الذي ذكره مرتين لمعرفتي بتبني معظم هؤلاء العمالة لسياسة عدم الإفصاح وحساباتي المتواضعة قالت أنه يحقق دخلاً شهرياً ٤٤٠٠ ريال (شاملة الراتب) على الأقل بتنظيفه لـ١٨ شقة بعمل في حدود ٢٧ ساعة خلال الأسبوع (غير ساعات عمله الرسمي) إذا ما افترضنا أن متوسط العمل في تنظيف الشقة الواحدة ٣٠ دقيقة لكن ما أبهرني أنه ملتزمٌ باستراتيجية التنظيف ليوم وغياب يوم مع كل زبائنه أي أنه لن يغيب عن تنظيف أي شقة لأكثر من ليلتين وهذا يعني أنه لن يستغرق وقتاً كبيراً في التنظيف مع جميع الشقق في الحالات الاعتيادية والأهم من ذلك أنه يمنح المرونة في توقيت زياراته في أي وقت بعد انتهاء عمله الرسمي في الرابعة.
في الحقيقة، عامل النظافة هذا لقنني في أقل من نصف ساعة (أتعمد تكرارها لك) دروساً حول عدم احتقار القليل والكدح في الحياة والمرونة في العمل وعدم مراكمة المهام والالتزام ووضع الاستراتيجيات وقبل هذا وذاك مواصلة النجاح بصمت، هو لم يكن لي مجرد عامل نظافة بل ملهماً ساقته إليّ السماء.
ختاماً، أنا أطالب بتوطين عقلية عامل النظافة ذلك لا مهنته ولا يمكنني إخفاء حنقي عندما استأذننا بأخذ ثلاثة قوارير من الماء عند مغادرته بعد أن أدركت أنها قد تكون ٦٤٨ قارورة ماء شهرياً!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال