الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في السنوات الماضية ومع انخفاض أسعار النفط بشكل كبير، تركزت حملات التشكيك في الاقتصاد السعودي حول الوضع المالي والميزانية وإمكانية إدارة المرحلة وإجراء تغييرات في هيكل الاقتصاد السعودي وإلا التعرض للإفلاس خلال سنوات قليلة. بعد ذلك، ومع عملية إعادة هيكلة الاقتصاد في المملكة، تبين أن القيادة الجديدة عبر الخطط والبرامج المستحدثة تمكنت من السيطرة على الوضع وتقليل الخسائر لا بل والسير قدما في جميع البرامج ذات الأهداف البعيدة المدى.
جاءت بعد ذلك مرحلة جائحة كورونا والإجراءات السريعة والقوية التي اتخذتها المملكة وكل ما تبع ذلك من ضغوط على الاقتصاد كما حصل في معظم دول العالم، فتحول التشكيك إلى مواضيع العجز والسيولة والعوائد على الاستثمارات إضافة إلى التوقعات بإلغاء بعض المشاريع العملاقة التي تم الإعلان عنها سابقا، لكن ما حصل كان الإعلان عن المزيد من المشاريع التنموية العملاقة وتحقيق عوائد ممتازة على الاستثمارات وإدارة فعالة لملف سوق النفط مما أعاد السوق للتوازن وبالتالي ساهم ارتفاع الأسعار بانخفاض العجز المتوقع.
حاليا، وبعد أن خالف واقع الاقتصاد السعودي التوقعات المتشائمة مرة بعد أخرى، خرجت صحيفة وول ستريت جورنال بمقال يتناول مستوى الاستثمارات الأجنبية في السعودية في العام 2021 وتستنتج منه أن ذلك يشكل ضربة لخطط جذب الاستثمارات الأجنبية وبالتالي لرؤية 2030.
بدأ لي المقال وكأنه تجميع عدد من الوقائع بعضها غير مترابط لمحاولة الوصول إلى الاستنتاج المطلوب، وهنا لست أحاول اكتشاف نوايا الذين شاركوا في كتابة المقال (عددهم 5)، ولكني أحلل بعض النقاط التي ورد ذكرها من وجهة نظر اقتصادية.
أولا كي تكون نقاط الرد واضحة، من المهم أن نذكر أن قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فعلا انخفضت وهذا ليس سر، شأنه شأن باقي مؤشرات الاقتصاد السعودي التي أصبحت متاحة ومحدثة بشكل شفاف، ولكن الاستنتاج بأن بيئة الأعمال في المملكة أصبحت أكثر عدوانية مجانب للصواب تماما.
يرد في المقالة موضوع فرض ضرائب وغرامات بأثر رجعي على شركة “أوبر” وشركتها التابعة “كريم” بلغت 100 مليون دولار. لا تذكر المقالة طبعا أن تاريخ الشركة في عدم فهم بعض القوانين في عدد من البلدان التي تعمل بها سبق وأن كبدها غرامات تفوق هذا المبلغ بأضعاف كثيرة، ومع ذلك قامت الشركة بعمل تسويات واستمرت بالعمل في تلك البلدان، وهو ما فعلته في السعودية حسب ما ذكرت قناة الشرق. من جهة أخرى، لا توجد إشارة إلى أن موضوع الضرائب العالمية للشركات التي تعمل في بلدان مختلفة دائما موضع خلاف وجدل، وأهم الأمثلة على ذلك شركات مثل أمازون وأبل وجوجل وكلها سبق أن تعرضت لضرائب وغرامات مفاجئة بمئات الملايين وبعضها وصل إلى مليارات الدولارات. ورغم ذلك تستمر الشركات بالعمل والتوسع في كل مكان.
نقطة أخرى وردت في المقال تخص عدم دفع مستحقات عدد من الشركات الكبرى التي عملت في مشروع مترو الرياض، وقد رفضت تلك الشركات الرد على استفسارات الصحيفة. بقية الرواية هنا أنه يوجد خلافات بين الجهة الحكومية القائمة على المشروع وتلك الشركات بخصوص التأخر في التنفيذ وزيادة التكاليف. أي أن القضية تتعلق بخلاف يتم التعامل معه قانونيا حسب بنود العقد وليس أموال محتجزة بدون سبب.
يرد أيضا في أسباب “عدوانية” بيئة الاستثمار أن الحكومة فرضت على الشركات نقل مقراتها الإقليمية إلى السعودية كي لا تخسر العقود الحكومية إضافة إلى إجبار الشركات على تعيين السعوديين.
أولا يجب صياغة الفكرة بشكل صحيح. الحكومة أعلنت أنه في المستقبل ستكون العقود متاحة فقط للشركات التي لديها مكاتب إقليمية في السعودية. أي أن الحكومة وضعت شروطا للشركات التي تريد أن تعمل معها ولم تقم بفرض أي شيء. كل شركة عليها أن تدرس وضعها وتقرر ما يناسبها، ففي الكثير من الدول الغربية يمنع منعا باتا على الحكومات أن تعمل مع شركات أجنبية ولذلك تعمل الشركات على فتح شركات محلية للحصول على عقود حكومية. وكل تلك الدول لا يتم وصفها بأنها عدائية تجاه المستثمرين.
أما في موضوع توظيف المواطنين، فهذا معمول به في كل أنحاء العالم. أولوية التوظيف لأبناء البلد حتى وإن كان الاستثمار أجنبيا، ولا يعد ذلك عدوانية تجاه المستثمرين الأجانب. ومع ذلك، قدمت الحكومة بعض التسهيلات في هذا الشأن كنوع من التحفيز في الفترة الانتقالية.
لا تنفي الحكومة عبر وزارة الاستثمار، أن التغيير ما زال في بدايته وهناك الكثير من العمل المطلوب، لكن التغييرات التي حصلت حتى الآن من تشريعات وقوانين ومحاربة الفساد والبيروقراطية ليست بالأمر البسيط. ولذلك ارتفعت التراخيص الجديدة الممنوحة للشركات الأجنبية بنسبة 250% في 2021.
هذه فقط ردود على بعض النقاط التي وردت في المقال وفيما يبدو أن هناك نظرة ترى أن الاستثمار الأجنبي يجب أن يستمر كما في السابق لفائدة طرف على حساب الاخر، وإلا فإن ذلك لا يعتبر بيئة استثمار جاذبة. هذا الأسلوب من المؤكد أنه تغير ولا عودة إلى الماضي. الاستثمار الأجنبي علاقة بين طرفين كلاهما يجب أن يستفيد وليس عملية توزيع حصص ولاهدايا. المستثمر يريد أن يربح، والبلد يريد أن ينمو اقتصاده ويطور حياة مواطنيه.
في الختام أقول أن السعوديين يعرفون أن إعادة هيكلة اقتصادهم ليست نزهة بل هي بمثابة الحرب كما وصفها عراب الرؤية الأمير محمد بن سلمان عندما قال ” تطوير الشرق الأوسط حربي أنا الشخصية وحرب كل السعوديين”. وهو يعلمون أنهم سيواجهون تحديات ومصاعب ولديهم الاستعداد للتعامل معها، وقد أثبتوا في سنوات قليلة قدرتهم على ذلك.
أما من ناحية الحملات الإعلامية، فهي ليست جديدة ولن تتوقف ولن تؤثر في المستثمرين لأن المستثمرين يبحثون عن الحقائق بأنفسهم وليس عبر المقالات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال