الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يكتف دعاة الدفاع عن ملف تغير المناخ بشيطنة النفط بشراسة، والمطالبة بتوقف الاستثمارات فيه، ورفض مبدأ تكاملية مصادر الطاقة لحين اشتداد عود المتجددة منها لتلبي الطلب المتزايد على الطاقة بموثوقية، ولتحل مكان المصادر الملوثة الحقيقية تدريجيا، حتى ظهر منهم من يبدي مدى تفاؤله بتباطؤ النمو السكاني في مجتمعات الاقتصادات الكبرى، ويعتبرونه إيجابي لأن الكثافة السكانية تتسبب في “الاحترار البشري” المساهم في تغير المناخ.
هذا التوجه يعاكس تماما القلق في الدول الصناعية الكبرى من الواقع الملموس في انخفاض معدلات الخصوبة وهو السبب الرئيس الذي يؤثر في انخفاض النمو السكاني الذي سيكون وقعه السلبي على هذه الدول تصاعديا في المستقبل.
في الولايات المتحدة – على سبيل المثال – نما عدد السكان بنسبة 0.1 % فقط من منتصف عام 2020 حتى منتصف 2021 ، من مجموع أرقام الهجرة إليها والولادات على أرضها، وهذه النسبة هي أقل معدل نمو في الشعب الأمريكي تاريخيا، فقد انخفض متوسط إجمالي عدد الأطفال لكل أم من 2.1 في عام 2007 إلى 1.6 في عام 2020، وهو أقل بكثير من أدني معدل آمن وهو 2.1 المطلوب لحماية المجتمع الأمريكي (أو أي شعب) من ضرورة استقبال مهاجرين، لملئ الفراغات السكانية المطلوبة لسد احتياجات الاقتصاد الأمريكي في الإنتاج والخدمات.
بجانب الولايات المتحدة، هناك اقتصادات كبرى عديدة تعيش نفس القلق بسبب قلة المواليد وارتفاع نسبة الشيخوخة، مثل أوروبا التي تعيش نسبة متدنية (1.5) والمؤهلة أن تفقد ربع سكانها بحلول عام 2050 ، واليابان ذات معدل مواليد منخفض للغاية (1.3) وبدأت تبحث فكرة جذب مهاجرين لها، وروسيا (1.5) ليدق رئيسها ناقوس الخطر في هذا الشأن، وحتى الصين التي طبقت سياسة قسرية في اكتفاء العائلة بطفل واحد فقط، لديها الآن معدل خصوبة منخفض (1.7)، وبسبب بداية تقلص أعداد الشباب فقد ألغى الحزب الحاكم قانون الطفل الواحد وبدأت الحملات المحفزة بإنجاب طفلين.
التباطؤ الحاصل في النمو السكاني، ومع ازدياد صعوبة صياغة سياسات لتشجيع الأفراد على إنجاب المزيد من الأطفال في الغرب، خاصة في ظل الحراك المتطرف المضاد من الجهات الداعمة للمثلية الجنسية وحرية الإجهاض والحراك النسوي بحجة الاستقلالية التي تطعن تباعا في بناء العائلة الطبيعية، سيؤدي لصعوبة بناء خطط تركز على المستقبل بسبب شيخوخة هذه المجتمعات، مما سيقود إلى إبطاء النمو الاقتصادي واعاقة الابتكار في هذه الدول.
هذا الانحدار سيبقي على حل وحيد كامن في تعزيز نمو عدد سكان هذه الدول بالمهاجرين للإبقاء على نبض الحياة، خاصة من إفريقيا التي تحظى بنسبة مواليد تتفاوت ما بين 4.0 و 6.0، والعالم العربي الذي يحظى هو أيضا بنسبة مواليد ما بين 2.3 و 4.6 (بدون الإمارات وقطر والبحرين والكويت ذات نسب المواليد المتدنية ما بين 1.4 و 2.0)، والباكستان 3.6 والهند بالطبع برغم أن نسبة المواليد فيها انخفضت إلى 2.2 ولكن تظل في النطاق الآمن، بالرغم من أنها مناطق تواجه مجتمعاتها تهمة المساهمة في الاحترار البشري من جانب، وتهمة استهلاك الموارد الغذائية والمطالبة بإدارة أفضل لمستوى الخصوبة فيها، من جانب متطرف آخر مهتم بموضوع الغذاء.
بالرغم من تحذيرات الأمم المتحدة عام 2019 من خطر تباطؤ النمو السكاني الذي يطعن الدول الصناعية الكبرى في خاصرتها، لم يكترث دعاة التطرف في تناول ملف تغير المناخ باقتصاد ومصالح هذه الدول، لنراهم أيضا يتمادون في التعرض لمجتمعاتها ومستقبل تواجدها طبيعيا بحجة السيطرة على ما أسموه بالاحترار البشري، وإمكانية إحلال الذكاء الاصطناعي والآلة مكان الإنسان لتغطية الفجوات الإنتاجية في المستقبل، وفي ظل إنكارهم التام للدورة الطبيعية للمناخ، يظهر بأن لا سقف لشراستهم في اقتفاء والتعاطي مع كل ما يقف دون تحقيق أهدافهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال