الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال ذروة السباق نحو الذهاب للفضاء في الستينيات، أدرك علماء ناسا أن الأقلام العادية لا يمكن أن تعمل في الفضاء. وأخذوا وقتاً طويلاً ليكتشفوا طريقة أخرى تمكن رواد الفضاء من تدوين الأشياء خلال رحلتهم الفضائية. حيث أمضوا سنوات وصرفوا ملايين الدولارات لتطوير قلم يمكنه الكتابة على الورق خلال انعدام الجاذبية. لكن نظرائهم السوفيت، كما تقول القصة، قاموا ببساطة بتسليم رواد الفضاء أقلام الرصاص، والتي حلت المشكلة.
هذه الحكاية مع رسالتها تذكرني بما يحدث خلال رحلة التحول العالمي إلى التكنولوجيا الخضراء والابتكارات المصاحبة. شاهدت قبل عدة أيام برنامجاً يستعرض ثورة المستقبل باستخدام التكنولوجيا الخضراء، وقد ركز البرنامج على تقنيات كثيرة بعضها أصبح يسوق له بشكل واسع في دول كثيرة مثل الصين والولايات المتحدة وأيضاَ في الشرق الأوسط. لفت نظري من بين هذه التقنيات الخضراء، ابتكار للزراعة عن بعد – وهي حسب رأيهم تعد ثورة قادمة لتغير شكل الزراعة للأبد ! استخدموا فيها الطائرات بدون طيار، وآلات ضخمة للحصاد وقطف الثمار والتي تكون مبرمجة للعمل وحدها «ذاتية القيادة»، كما تكون موصولة بأنظمة ملاحة عبر الأقمار الصناعية لتكون مراقباً ومحركاً لها عن بعد.
هذا النموذج الإبتكاري يعمل بالكامل على الطاقة الكهربائية وبالتأكيد يستهلك الكثير منها، ناهيك عن التعطلات والأخطاء التي تنتج خلال مراحل العمل، بالإضافة إلى التكاليف الرأسمالية والتشغيلية العالية جداً. وقد يسوق لهذا الإبتكار على أنه يغنيك عن استخدام اليد البشرية الماهرة، ويعوضك بتقنيات تنقلك إلى عالم التكنولوجيا الخضراء الذي يحد من الآثار الضارة التي يلحقها الإنسان بالبيئة. هذا فقط أحد الأمثلة الابتكارية السلبية برأيي، وهناك الكثير من ذلك.
نحن ننسى أن التكنولوجيا مجرد أداة – ليس لديها حكمة ولا فهم لما يصيب البشرية. في الواقع، قد يؤدي هذا الإيمان الأعمى الشائع بالتحول نحو التكنولوجيا إلى جعل الوضع أسوأ. بالتأكيد، التكنولوجيا الخضراء هي جزء من الحل للحصول على عالم مستدام، لكنها جزء محدود حيث توجد عقبات غير بديهية من شأنها أن تمنع الوصول للاستدامة المطلوبة.
الحديث يطول عندما نتحدث عن الاستدامة واستخدام التكنولوجيا الخضراء، ولكن أردت هنا أن أوضح وجهة نظري فيما يتعلق بالابتكار خصوصاً في هذا المجال. فهو نقطة الإنطلاق لنا ووجهتنا نحو المستقبل. يتعلق الابتكار بالاستغلال الناجح لجميع الأفكار الجديدة، سواء كانت تغييرات ثقافية أو تنظيمية أو تكنولوجية كبيرة، أو تحسينات تدريجية للحفاظ على تقدم خطوة إلى الأمام. يمكن أن يكون التقدم العلمي والتكنولوجي عنصرًا مهمًا في الابتكار، ولكن التطورات عبر النطاق الكامل للأنشطة الصناعية والتجارية، على سبيل المثال التصميم والتسويق، مهمة أيضًا. هذه تحديات لجميع الشركات، وليس فقط الشركات العاملة في مجال التصنيع أو التكنولوجيا الخضراء.
يدور الابتكار حول كسر التقاليد، ولكي يصبح شيء ما مبتكرًا، يجب أن تكون المبادئ التي تستند إليها العملية أو المنتج أو الخدمة أو الطريقة مختلفة اختلافًا جوهريًا عن تلك التي كانت موجودة من قبل. كل إنسان قادر على إنتاج أفكار أو منتجات أو خدمات مبتكرة. لا يعتمد الابتكار على الثروة أو المكانة أو المنصب أو العمر أو الجنس أو أي سمة أخرى للأفراد باستثناء القدرة على التفكير. العالم يسير نحو التحول باستخدام الابتكار، لذلك يجب على أصحاب الأعمال والصناعات أن يركزوا على الابتكار، وأن يكونوا قدوة من خلال تشجيع ومكافأة الأفكار المبتكرة لموظفيهم. كل ابتكار يؤدي بطبيعته إلى شيء جديد، ولكن ليس كل شيء جديد هو ابتكار يمكن أن يخدم التحول كما رأينا في مثالنا السابق.
ذلك لأن الابتكار أكثر من مجرد تقنية جديدة. في الواقع، على الرغم من أن الابتكار الحديث غالبًا ما يتضمن التكنولوجيا لأننا نركز بشدة على أحدث التقنيات، فإن الابتكار نفسه لا علاقة له بالتكنولوجيا. الابتكار يمكن أن يكون إيجاد حلول غير تقليدية للتغلب على المشاكل الحالية والمستقبلية، ويعد ابتكار مُزعزِع يخلق أسواقاً جديدة من خلال توفير مجموعة مختلفة من القيم، والتي تتغلب في نهاية المطاف وبشكل غير متوقع على ما يوجد في الأسواق الحالية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال