الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تمر المملكة العربية السعودية في مسيرة تغيير كبيرة على الأصعدة الاستثمارية والسياحية والصحية والتقنية وغيرها، وذلك لتطوير الخطط الإستراتيجية والأنظمة الداخلية وآليات العمل. هذه الموجة التجديدية الحيوية التي تمر بها مملكتنا الغالية تتزامن مع رؤية 2030 الرامية لتعزيز دور المملكة الريادي في مختلف القطاعات. ولتحقيق تلك الأهداف، فإن الخطط المرسومة تركز على توفير بنية تحتية تكنولوجية متطورة لتمكين التحول الرقمي، وهذا من شأنه تسهيل مهمة كافات القطاعات على الوصول إلى غاياتهم بفاعلية أكبر ومرونة أفضل.
يقصد بالتحول الرقمي الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية الحديثة لتطوير طرق وبيئة العمل وتجربة العملاء بما يواكب متغيرات الأسواق وتطلعات المستفيدين. وبينما شهدنا في الأشهر الماضية إعلان عدة مشاريع طموحة على مستوى القطاعين العام والخاص مثل ومشروع ذا لاين، ومدينة الأمير محمد بن سلمان غير-الربحية، نجد أن أحد أهم العوامل المشتركة بينهن هو التركيز على عملية التحول الرقمي، وبالأخص ما يرتبط بالثورة الصناعية الرابعة (IR 4.0) كونها أحد الأعمدة الرئيسية للتحول الرقمي.
تشكل الثورة الصناعية الرابعة وتقنياتها الحديثة نواة لمستقبل العديد من القطاعات كالعمل والصناعة والطب والترفيه، ومساحة وافرة من الفرص الاستثمارية لرواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة. وبالعودة للزمن قليلاً، فإن كل ثورة صناعية قد ارتكزت على عنصر أساسي لبناء تلك المرحلة، فالأولى بدأت عام ١٧٨٤م وارتكزت على الميكانيكا والبخار في تشغيل المصانع وسكك الحديد، بينما الثانية والتي بدأت عام ١٨٧٠م اعتمدت على الكهرباء، في حين أن الثالثة والتي بدأت عام ١٩٦٩م استفادت من الكمبيوتر وتقنية المعلومات في التشغيل الآلي، إلى أن وصلنا إلى المرحلة الرابعة التي نعيشها الآن والتي تعتمد على التكنولوجيا في أشكال عدة منها الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والروبوتات والطباعة ثلاثية-الأبعاد.
إن الثورة الصناعية الرابعة مرتبطة بشكل أساسي بإستراتيجيات التحول الرقمي، خاصة وأن العديد من مكوّنات الثورة الصناعية الرابعة لا تزال قيد التطوير، فعلى سبيل المثال لا زلنا نرى استخدامات جديدة للطباعة ثلاثية-الأبعاد، فقبل أسابيع بدأت إحدى الشركات في ولاية آيوا الأمريكية في صناعة منازل منخفضة التكلفة، وقبل أشهر اكتشف العلماء في جامعة نوتنغهام البريطانية طرق جديدة لإنتاج أعضاء بشرية مقاومة للبكتيريا وقابلة للزراعة. والأمر نفسه ينطبق على باقي التقنيات، فمؤخراً بدأ البيع التجاري لروبوتات متخصصة في الحصاد الزراعي باستخدام تكنولوجيا حديثة تحدد مدى نضج الخضار أو الفواكه قبل قطافها!
إن مجال الإبداع والابتكار في استخدامات التقنيات الحديثة واسع وهذا ما يجعل التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة فضاءً خصباً للاستثمار في المملكة والعالم. واستناداً لدراسة من أكسنتشر، فإن الإنفاق المتوقع في المملكة خلال الثلاث سنوات القادمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي سيزيد بنسبة 32%، بينما سيزيد بنسبة 25% لتقنيات الواقع الافتراضي، وبنسب تزايد متفاوتة لباقي التقنيات. هذا التصاعد في الإنفاق يتماشى مع الصعود الكبير المتوقع لتلك التقنيات، فحسب دراسة لموقع (IoT Analytics) سيستمر ارتفاع معدل النمو التراكمي للسوق العالمي لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة بمعدل 37% إلى عام 2025. كما أن شركة الاستشارات (PwC) أعلنت أنه على مستوى العالم، فإن الاستثمارات في تقنيات الثورة الصناعية الرابعة ستشكل أكثر من 50% من رؤوس المال الاستثمارية ككل خلال الخمس سنوات القادمة.
ورغم أن العوامل الجاذبة للاستثمار في مجالات الثورة الصناعية الرابعة كثيرة وواعدة، إلا أنها لا تخلوا من بعض التحديات من أبرزها الحاجة إلى توفير التدريب اللازم لمستخدمين تلك التقنيات بالإضافة إلى الحاجة لتهيئة بيئة العمل كمناخ قابل للتحول الرقمي، وكذلك قد تكون هناك صعوبة في إيجاد شركاء محليين لا يمانعون بقليل من المخاطرة عند الاستثمار في مجالات جديدة نسبياً. هذه العوائق وإن كانت قصيرة المدى، فعلى الأرجح أن تمكين التحول الرقمي والاستثمار في تقنيات الثورة الصناعية له عوائد مجزية بعيدة المدى.
إن العالم يتغير ويتطور بسرعة حولنا، ورؤية المملكة 2030 ستساعدنا بإذن الله على مواكبة هذا التطور بل وريادته في العديد من المجالات. ولكون التحول الرقمي وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة هي عناصر أساسية في تشكيل العالم الجديد، فلابد من انتهاز الفرصة ودعمها بشتى الطرق ومن أهمها التوعية والاستثمارات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال