الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم الأعمال، يُوجَدُ تأثيرٌ جوهريٌّ لآلية الدعم المالي؛ فالدعم لا ينحصر فقط في نطاق تقديم التمويل اللازم لتأسيس المشروع، بل أيضاً في تشغيله أو استمراره، ويأخُذُ أشكالاً عديدةً، أهمُّها الإقراض بشتَّى صُوَرِهِ؛ مثل تمويل البنوك للشركات بالدين، أو المشاركة في المشروع؛ مثل الشركات القابضة التي تُموِّل مشروعاً حتى تمتلك حصَّةً في رأس ماله.
وإذا نظرنا إلى طبيعة المشاريع التي تَحتَاجُ التمويل سَنَجِدُ أنَّ لها صوراً عديدةً، يَظَهُرُ أهمُّها في:
* المشاريع الناشئة؛ وهي نوعٌ من المشاريع التي تَحتَاجُ تمويلاً حتى تبدأ ممارسة نشاطها في ظلِّ عدم وجود قوةٍ ماليةٍ كافيةٍ لديها.
* المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر؛ مثل مشاريع الشباب الطموحة، وهي مشاريع لا تستطيع البدء والممارسة والاستمرار دون دعمٍ واسعٍ، والسبب أنَّ رائد الأعمال الصغيرة يَدخُلُ مجتَمَعاً استثمارياً صعب المراس بخبرةٍ مُتَوَاضِعَةٍ ورأس مالٍ ضعيفٍ.
* المشاريع المُتَخَبِّطَة؛ وهي نوعٌ من المشاريع التي قد تتمتَّع بحجمٍ كبيرٍ وتاريخٍ عريقٍ، لكنَّها تمرُّ بأزمةٍ ماليةٍ قاسيةٍ، مثل ما حصل بشركات الطيران والسياحة بعد انتشار جائحة كوفيد-19.
* المشاريع الخطيرة؛ وهي النوع الأكثر تَعقِيدَاً من حيث التمويل، لأنَّ الدعم المالي في جميع أنواع المشاريع التي تَحتَاجُ إلى دعمٍ يمكن احتساب جَدوَاهُ ودفع مَخَاطِرِهِ المالية بالورقة والقلم، أمَّا المشاريع الخطيرة، فهي ذلك النوع الذي يَستَنِدُ أصلاً على المخاطرة، أي أنَّه من الأساس عبارةٌ عن خطرٍ، ويَندَرِجُ الاستثمار الجريء ضمن هذا النوع من المشاريع.
بناءً عليه، فإنَّ الدعم الذي يَحتَاجُهُ مشروع الاستثمار الجريء يمكن تصنيفه على أنَّه دعمٌ شبه مفتوحٍ؛ لأنَّ صاحب المشروع لا يَعرِفُ مقدار الخسارة التي قد يتعرَّض لها المشروع، مثلما لا يَعرِفُ حدود الربح الخيالي الذي قد يُحقِّقُهُ.
هذه الوضعية الضبابية للاستثمار الجريء، تجعل شكل الدعم المالي المثالي لهذا النوع من المشاريع هو المشاركة فيها عبر دفع قيمة حصَّةٍ من رأس مالها، وليس إقراضها.
والسبب أنَّ الإقراض قد ينتَهِي بعملية تمويلٍ فاشلةٍ تماماً تَزِيدُ من أعباء المشروع الجريء على شكل تكلفة تمويلٍ، بينما التمويل عبر المشاركة في رأس مال المشروع الجريء تُخفِّفُ تكلفة التمويل، وتزيد من عُنصِر القوة المالية في المشروع؛ حيث يَدخُلُ شريكٌ مُمَوِّلٌ فيه.
على هذا الأساس كانت فكرة الشركة السعودية للاستثمار الجريء، وهي شركةٌ سعوديةٌ حكوميةٌ تمَّ تأسيسها حتى تقوم بتمويل هذه المشاريع عبر أسلوب المشاركة.
لكن الشركة لا تُقومُ بالمشاركة بشكلٍ مباشرٍ في المشروع الجريء، وإنَّما تقوم بتمويل صناديق الاستثمار التي تُقدِّمُ الإقراض أو الدعم للمشاريع الجريئة.
كلُّ ذلك بهدف عدم تعريض رأس مال الشركة السعودية للخطر، حيث يكون دور صندوق الاستثمار في تقديم التمويل للمشروع المدروس قَدْرَ الإمكان وفق معايير الاستثمار الجريء؛ أي ذلك المشروع الذي يَظهَرُ منه مستقبلٌ مشرقٌ، لكنَّه بحاجةٍ إلى دعمٍ ماليٍّ بالنظر إلى خطورة نشاطِهِ.
يبدو ظاهراً أن التمويل غير المباشر الذي تُقَدِّمِهُ الشركة السعودية للمشاريع الجريئة يَهدف إلى سدِّ الثغرات التمويلية، ليس عبر أساليب الإقراض التقليدية، بل بأسلوب الدخول في المشروع كشريكٍ في الربح أو تحمُّل الخسارة.
وإذا رجعنا إلى منهجية الشركة السعودية للاستثمار الجريء (تقرير الاستثمار الجريء لعام 2021، وكذلك تقرير “الأثر” الصادر عن الشركة في يناير 2022)، سنَجِدُ أنَّها تنقسم إلى ثلاثة محاورٍ، وهي (تقرير الاستثمار، صـ22، وتقرير الأثر صـ6):
* الموازنة بين الأثر الاقتصادي والنجاح المالي؛ فلا يَعنِي أنَّ تقديم الدعم المالي عبر صناديق الاستثمار الجريء سيؤدِّي إلى نجاحٍ اقتصاديٍّ، حيث إنَّ الكثير من المشاريع القادرة على التوازن المالي بسبب توافر الأموال نَجِدُهَا لا تحظَى بحصةٍ سوقيةٍ كافيةٍ ولا تُنَافِسُ باقي المشاريع، وهكذا يكون التمويل عبارةً عن حلٍّ مؤقَّتٍ يُؤجِّلُ الانهيار ولا يَمنَعُهُ.
لذلك، تعمل الشركة السعودية على تحقيق التوازن بين الدعم المالي من جهةٍ، وبين تحقيق نمو اقتصادي ملموسٍ يَتَوَازَى مع قيمة الدعم المالي المُقدَّم من جهةٍ أخرى.
* التوجُّه نحو سدِّ ثغرات التمويل؛ وهي المهمَّة الأساسية للشركة السعودية، وهنا تكون كلمة الفصل في نجاح هذه المهمَّة لقدرة صندوق الاستثمار على تحديد المشاريع الجريئة الطموحة التي يُوجَدُ فيها ثغراتٌ، ثم تحديد التمويل اللازم لسدِّ هذه الثغرات بغرض دعم المشروع والمساهمة في أرباحه ونموِّ قيمَتَهُ السوقية.
* الحيادية في القطاعات المُستَثْمَرِ بها؛ فعلى اعتبار أنَّ الشركة السعودية هي شركةٌ حكوميةٌ، فإنَّها تهدف إلى النهوض بقطاع الاستثمار الجريء ككلٍّ، وليس في جزءٍ منه فقط؛ فعلى سبيل المثال تقوم الشركة بالمساهمة في صندوقٍ يستثمر في شركات التكنولوجيا الناشئة، مثلما تقوم بالاستثمار في صندوقٍ آخر يختصُّ بشركات الخدمات الاستشارية عبر التطبيقات الإلكترونية، وهكذا.
* امتلاك حصَّةِ الأقلية في الشركات الناشئة وفقاً لأفضل الممارسات في الاستثمار الجريء؛ وهذا يعني أنَّ الشركة السعودية ليست بشركةٍ قابضةٍ تَستَهدِفُ السيطرة على أغلبية رأس المال وإدارة الشركات وحَصْدِ أكبر الأرباح، بل هي شركةٌ حكوميةٌ تَهدف إلى دعم قطاعٍ ناشئٍ وحيويٍّ وقادرٍ على تحويل شريحةٍ واسعةٍ من الشباب إلى روَّاد أعمالٍ، بعد أن كانوا عاطِلِين عن العمل، يبحثون عن وظيفةٍ في القطاع الخاص أو العام.
وعلى الرغم من الدور الجوهري الذي تلعبه الشركة السعودية للاستثمار الجريء، إلاَّ أنَّ ما ينقُصُ منهجية عَمَلِهَا هو ثقافة الاحتضان من بدايات المشروع، أي حتى قبل تأسيسه.
حيث يمكن تقديم التدريب للشباب الراغب بتأسيس مشاريعٍ جريئةٍ، ثم اقتراح بيئة العمل المناسبة وفق الأفكار والابتكارات التي يُقدِّمُهَا رائد الأعمال، وبعد ذلك تَعرِيفِهِ على جهات التمويل المناسِبَة.
وهكذا يُصبِحُ عمل الشركة السعودية أكثر تَكَامُلاً، وأعَمَقُ أثَرَاً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال