الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عند الحديث عن بناء استراتيجية، او عن اساليب الادارة، او سن القوانين، غالبا ما يدور النقاش بشكل عام بعيدا على وضع اليد على موطن الخلل لإصلاحه. وهذا ينطبق على المعايير والمقاييس الدولية لمكافحة الفساد. استوقفني قبل فترة معيار ISO 37001 والذي تم تصميمه لمنع و كشف ومعالجة الرشوة داخل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في القطاع العام و الخاص. كان السؤال الذي تبادر الى ذهني بعد دراسة هذا المعيار، هل بتطبيقه سيمكن منع ارتكاب جريمة الرشوة؟ واذا لم ينجح بشكل كامل، هل سيكون نجاحه جزئيا؟.
في عام 2016 ، تم إطلاق معيار ISO 37001، وزاد استخدامه في السنوات الاخيرة. حيث ان هناك شركات مثل Alstom و ENI و Microsoft حصلت على شهادة ISO 37001. بحلول نهاية عام 2019 ، حصلت 898 منظمة على شهادة من هيئات معتمدة ، خاصة في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية. تم تصميم ISO 37001 من قبل لجنة دولية للمشروع. وضمت اللجنة حوالي 59 دولة مشاركة ومراقبة من الدول الأعضاء في منظمة الأيزو وخبراء دوليين في مكافحة الفساد من ضباط و قانونين عاملين في القطاع العام والخاص وبعض ممثلي منظمات المجتمع المدني. هذا المعيار كان نتيجة الاحتياج لتطوير حوافز فرض الامتثال لقوانين مكافحة الفساد. ففي عام 2010, تم سن قانون الرشوة في المملكة المتحدة. فقد نص هذا القانون على أن فشل مؤسسة ما في منع الرشوة يعتبر جريمة جنائية. ومع ذلك ، كان الدفاع عن المؤسسة بأنها بذلت العناية اللازمة، نفذت إجراءات مناسبة لمكافحة الرشوة. وبالتالي، بدأت الجهود لتطوير معيار لمكافحة الرشوة. في عام 2011 ، نشرت هيئة المعايير الوطنية في المملكة المتحدة ، نظام إدارة مكافحة الرشوة BS 10500.
وقد تم تصميمه لمنظمات القطاعين العام والخاص التي ترغب في تنفيذ إجراءات مناسبة لمكافحة الرشوة. في عام 2014 ، تم نشر معيار ISO 19600 لأنظمة إدارة الامتثال. ولكنه لم يكن ناجحا كفاية مما دعى الى العمل أكثر لاصدار ISO 37001. يبقى السؤال، هل تبني مثل هذا المعيار والحصول على الشهادة يعني اننا وصلنا الى الخلطة السحرية لمكافحة الرشوة؟
منذ عام 2018م، استخدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعزيز الحكم الديمقراطي والمساءلة العامة في تونس معيار ISO 37001 لتطبيقه والحصول على هذه الشهادة. كان الهدف الأولي للبرنامج هو “دعم المؤسسات العامة لتنفيذ أداة معترف بها دوليًا لمنع مخاطر الفساد ، مع معايير عالية للشفافية والمساءلة”. تم تحديد عدد من المواقع التجريبية من البلديات الجمارك والمستشفيات والشرطة في تونس. النتيجة هي فشل تطبيق هذا المعيار لعدة أسباب:
١- بسبب الافتقار إلى التقنية التي تفرضها تطبيق هذا المعيار داخل المواقع التجريبية.
٢- بسبب البيروقراطية وطول الإجراءات الحكومية.
٣- بسبب نقص الخبراء الوطنيين للتحقق من المطابقة مع المعيار ، وبالتالي ، ٤- الاعتماد على خبراء دوليين مكلفين ماديا للدولة.
لذلك ، قرر البرنامج التخلي عن الشهادة واستخدام ISO 37001 كمصدر للإلهام بدلاً من ذلك، ودليلا للاسترشاد من أجل تحسين وضع المؤسسات التونسية.
لذلك، تم تشكيل فرق العمل من خبراء مكافحة الفساد داخل الدولة وخارجها لرسم خريطة تقييم مخاطر الفساد وتدابير التخفيف. وبالتالي تمت تحسين بعض الجوانب التي كانت تسبب الفساد والرشوة. مثل إدخال إدارة الطابور في مستشفى جربة ، لتجنب الازدحام والممارسات الفاسدة ذات الصلة. في حين كانت هناك استحالة لتطبيق بعض الاحترازات بسبب عدم وجود الميزانيات اللازمة.فمثلا موظف الجمارك الذي يعمل على الحدود الليبية ، لا يمكن تطبيق هذه المعايير عليه مع انقطاع الكهرباء وبدون توفر اجهزة كمبيوتر.
وبالتالي، وجود مثل هذه المعايير مهم جدا من اجل التطوير القانوني والتشريعي والإداري والبشري. لكنها ليست العصا السحرية للحد من مخاطر الفساد، هذه المعايير ليست دائما قابلة للتطبيق، وحتى لو تم تطبيقها، قد لا تؤتي النتيجة المتوقعة. وبالتالي الحصول على شهادات لهذه المعايير ذات اهمية محدودة من وجهة نظري. ولكن ذلك لا يقلل من أهميتها لاستخدامها كوسيلة للوصول للهدف الأساسي من هذا المعيار. كما يمكن استخدامها كوسيلة استرشادية لوضع الاستراتيجيات والتشريعات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال