الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بالأمس، أصدرت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد تقريرا مختصرا عن مجموعة من جرائم الفساد بمبالغ متفاوتة. وتعتبر جهود الهيئة في هذا الخصوص جهودا ذات أثر إيجابي عظيم على جوانب مختلفة من أهداف الدولة. لكن، كثيرا ما يتبادر الى ذهني في الآونة الأخيرة موضوع استعادة الأصول. خصوصا ان التحقيق في جرائم الفساد ومعاقبة من تثبت عليه التهمة ليست هي الرادع الوحيد لتقليل نسبة الفساد. لذلك، موضوع استعادة الأصول المسروقة والتي تم ترحيلها خارج الدولة هي من أهم المواضيع المتعلقة بمكافحة الفساد.
بناء على موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، وقد تورط أكثر من 330 مسؤولاً عمومياً في أكثر من 90 دولة في قضايا فساد وغسل أموال. وهذا يشير إلى أي مدى يستخدم أثرياء العالم والمتنفذين الثغرات القانونية لغسل الأموال لتجنب دفع الضرائب وإخفاء الأصول. بمعنى، في بعض الأحيان يستخدم أصحاب المصلحة الانظمة بما يحقق لهم الحماية القانونية. مثل انشاء شركة وهمية وإصدار سجل تجاري و قوائم مالية متبعين ما ورد في الانظمة والقوانين. وبالتالي، النظام المالي بحد ذاته ليس دائما هو المشكلة وإنما كيف يستغل هذا النظام لخدمة مصالح تضر الاقتصاد والمجتمع. لذلك، على الرغم من الاهتمام الدولي بمكافحة الفساد، إلا إن التكلفة العالمية للفساد تتضخم لتصل إلى حوالي 1 تريليون دولار سنويًا (أكثر من 20 إلى 40 مليار دولار من تلك الخسائر من البلدان النامية).
هذا يعني أن الحديث هنا عن مبالغ تريليونية مفقودة، كانت من المفترض انها تصرف على ما يخدم المصلحة العامة في بلدانها. هذه الأرقام، ألهمت النائب الجمهوري جون كيرتس و النائب الديمقراطي وتوم مالينوفسكي في الولايات المتحدة لإلقاء نظرة أخرى على تنظيم الفساد العالمي ، بما في ذلك الممارسات المالية المراوغة للانظمة الموجودة حاليا في أمريكا وفي العالم بما فيها الاتفاقيات الدولية. ودعم رؤية هذان النائبان رئيس الولايات المتحدة الامريكية الحالي، بايدن حيث روج مرارًا وتكرارًا لموضوع مكافحة الفساد باعتباره أولوية قصوى في السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، وفي مذكرة أصدرها في يونيو الماضي ، حيث حدد رسميًا فيها أولويات مكافحة الفساد كمصلحة أساسية للأمن القومي.
من ضمن هذه الأولويات هي وضع نظام دولي لعملية استرداد الأصول المسروقة. خصوصا ان لدى الولايات المتحدة الامريكية تجربة ناجحة من خلال مبادرة إنشاء مؤسسة BOTA. هذه المؤسسة تم انشائها بتحالف من حكومة كازاخستان، والولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا ومجموعة من قادة المجتمع المدني في هذه الدول الثلاث. كان الهدف من انشائها هو استعادة ١١٥ مليون دولار من الأصول المسروقة من الحكومة الكازاخستانية. وبالفعل نجحت هذه المؤسسة باسترداد هذه المبالغ والتي تم صرفها بعد استعادتها على ما يصب في مصلحة أبناء كازاخستان من خلال تقديم منح دراسية لابنائها وتطوير التعليم والرعاية الصحية. وبناء على مثل هذه التجربة الناجحة، نجد الآن أن هناك حملة عالمية لاسترداد الاصول المسروقة. مثلا، تقوم بعض البلدان ، مثل موزمبيق ، بتمرير قوانين من أجل توسيع قدرتها على استرداد الأصول غير المشروعة ، بينما تقوم دول أخرى مثل كينيا تفعل التعاون الدولي و القضائي متمثلا بمصادرة الأصول بمجرد إثبات أنها مسروقة.
هذا يعني أن المشرعون الذين يهدفون إلى تعزيز جهود استرداد الأصول في المملكة إلى الاستثمار في أربعة مجالات رئيسية. اولا، نظرا لان عملية استعادة الأصول تحتاج الى تعاون قضائي، فلابد من انشاء قسم خاص في وزارات العدل لتكون مسؤوليتها التحقيق والتقاضي فيما يتعلق باسترداد عائدات الفساد المرحلة لدول اجنبية. ثانيا، وضع تشريع محلي للسماح للدولة بتجميد الأصول الأجنبية المشتبه انه تم اكتسابها بطريقة غير مشروعة. وهذا اعتقد ان المملكة يجب أن تعمل عليه، خصوصا في ظل خطة التحول الوطني و رؤية 2030، فالمشاريع الاقتصادية في ازدياد، وفرص الاستثمار الاجنبي ضخمة و معدل السياحة في ارتفاع. وهذا يعني أن احتمالية دخول اموال غير مشروعة إلى الدولة قد تزداد. وبالتالي، سيكون هناك تحقيقات في جرائم منظمة من ضمنها جرائم الفساد وغسل الاموال، مما يعني حاجة جهات انفاذ القانون والسلطات القضائية لوجود نصوص قانونية تمنع من جعل المملكة أرض تستغل من قبل عصابات المافيا. ثالثا، يجب على المشرعين مع دول ذات تاريخ في النظام المالي مثل سويسرا، حيث ان سويسرا تعمل حاليا على تمرير تشريعات واتفاقيات توفر فرصًا للتعاون القانوني بينها وبين دول اخرى نشأت فيها الأصول مثل امريكا، من اجل السماح للحكومات بالبدء في العمل على كيفية إعادة الأموال. رابعا، وضع نظام لطريقة انفاق هذه الأصول بما يخدم المصلحة العامة داخل الدولة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال