الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بسعر سهم تجاوز 1000 ريال وقيمة سوقية تجاوزت 11 مليار ريال؛ لا شك أن شركة جاهز أثارت العديد من الأسئلة والجدل حول كيفية التقييم حيث أنها أول شركة ناشئة تدخل السوق العام السعودي.
للتقييم أساليب ونماذج متعددة وقد تكون أبرز ثلاثة مداخل لتقييم الشركات العامة هي الدخل والمقارنة والأصول، وهي مداخل فاعلة لتقييم الشركات الناضجة ذات المسيرة الممتدة والأسواق المعروفة ونماذج العمل المختبرة. ففي مدخل الدخل تلعب التوقعات المستقبلية للتدفقات النقدية والافتراضات المصاحبة لمعدل الخصم والبيانات التاريخية وقراءة التغيرات المستقبلية دورا رئيسيا في تحديد القيمة الشركة في الحاضر. وفي مدخل المقارنة فإنه يتم الاعتماد على تقييم السوق لشركات مشابهة في ذات السوق أو في أسواق أخرى مع افتراض تعديلات على تلك التقييمات للتعويض عن فارق الاختلافات واستخدام عدد من المضاعفات ذات العلاقة لتحديد قيمة الشركة. وفي مدخل الأصول فإن ما ينظر له هو أصول الشركة لتمثل أساس قيمتها وهو تقييم للتصفية عادة.
ونظرا لاختلاف الافتراضات بين منشأة وأخرى وفرد لآخر فإننا نجد الجدل يدور في فلك الفرق بين القيمة العادلة والقيمة السوقية في صناعة التقييم. وحيث أن الأسواق العامة توفر شفافية أكبر وتتجادل فيها عقول أكثر فإن الفروق بين القيمة العادلة والقيمة السوقية تكون في مدى أضيق من الأسواق الخاصة كما يكون هذا الجدل في أوسع تبايناته في قطاع الشركات الناشئة من الأسواق الخاصة والذي نرى أثره اليوم ينتقل للسوق العام المحلي من خلال شركة جاهز كأول شركة ناشئة تُطرح فيه.
تُعرّف الشركة الناشئة بعدة معطيات وقد يكون ما يفصلها عن أي شركة تقليدية هو النمو الأسي (Exponential Growth) الذي يبرر احتياج هذه الشركات للتمويل المستمر حيث أن نموها الأسي يفوق قدرتها على تمويله من خلال دخلها الحالي والذي ينشأ عادة من هزها لأسواق موجودة أو إيجادها لسوق جديد كليا – قد يستثنى من ذلك الشركات الناشئة في العلوم الحيوية والتي تستهدف إيجاد سلالات أو تقنيات تحقق نتائج استثنائية وتتجاوز متطلبات واختبارات الجهات التنظيمية والتشريعية مما يستدعي تمويلا ضخما من المستثمرين مراهنين على انقلابها.
عند وضع هذا التعريف في الاعتبار فإن مداخل التقييم السابقة تصبح قاصرة حيث أن الافتراضات المستقبلية كلية وليست جزئية والمجاهيل كبيرة ومتعددة مما يجعل الدخل المستقبلي أو تعديلات المقارنة بعيدة عن مدى الخطأ المعتاد في الأسواق العامة نظرا لضبابية الافتراضات التي بُنيت عليها. هذه المعضلة موجودة منذ بدء ممارسات الاستثمار الجريء التي تستهدف الاستثمار في الشركات الناشئة وتعظم كلما قصر عمر هذه الشركات أو في حال كونها أفكارا قبل تشكيل كيانها، لذلك ينظر مستثمرو رأس المال الجريء لعوامل مختلفة عند اعتبار الاستثمار في شركة ناشئة اعتقد أن أهمها ما يلي:
أولاً السوق؛ هل هناك احتياج لمنتج أو خدمة تقدمها الشركة؟ ما حجم هذا الاحتياج؟ ما قدر نمو الاحتياج؟ ماهي اتجاهات السوق لذلك الاحتياج؟ أم هل ستخلق أو خلقت الشركة احتياجا جديدا وسوقاً غير موجود وما مدى نجاح ذلك الرهان؟ هل ستساعد أموال المستثمرين بشكل رئيسي في دفع الشركة للتوسع في السوق أو خلقه؟ هل ستكون الاستثمارات موجهه للتسويق أم لخدمة الطلب؟ من هم اللاعبون الآخرون؟ وغيرها من الأسئلة التي يحاول مستثمرو رأس المال الجريء الإجابة عليها وترقيمها.
ثانيًا الجوهر؛ هل التقنية المستخدمة فارقة؟ هل هو اكتشاف خارق للأساليب التقليدية مما يحقق نتائج استثنائية؟ أم هل نموذج العمل فريد؟ ما مدى قدرة الآخرين على نسخه؟ هل هو قابل لمسايرة النمو المقدر؟ كيف ستساهم أموال المستثمرين في تعزيز ذلك الجوهر؟ وغيرها.
ثالثًا القادة؛ وقد يكون أهم العوامل على الإطلاق وتعظم أهميته في نشأة الشركة ومع مراحل التحول الرئيسية فيها وقد تتم المراهنة على الشركة بناءً عليه فقط. هل المؤسسون قادرون على جلب المستثمرين لتغطية متطلبات نمو الشركة؟ هل لديهم القدرة للتوائم مع التغير في حجم الشركة السريع والاستجابة لمتطلباته؟ هل هم ملهمون للقيادين الآخرين وقادرون على جلبهم؟ هل هم بائعون جيدون؟ هل خلفياتهم تكمل كافة العناصر المطلوبة لقيادة الشركة بنجاح؟ ما هي نقاط الضعف في الفريق؟ هل حدثت أي تغييرات جوهرية فيه؟ هل يملك القادة حصة كافية في الشركة؟ هل سيستقطع القادة نسبًا من أموال المستثمرين لهم أو لاستخدامها في سداد ديون الشركة؟ وغيرها.
رابعًا البيئة؛ وتشمل السياسية والتشريعية والتنظيمية. هل يتوافق السياق العام للشركة مع توجهات السياسات العامة للدولة؟ هل هناك سياسات خاصة للقطاع تقود توجهاته؟ هل هناك برامج للدعم التفضيلي؟ هل هناك تشريعات قائمة لتمكين نموذج عمل الشركة؟ ما مدى رغبة الجهات التشريعية في الاستماع لأفكار الشركة الجديدة؟ هل يأخذ صدور التنظيمات أو التعديل عليها وقتا كبيرا؟ هل التنظيمات الحالية قادرة على استيعاب نموذج عمل الشركة؟ هل ستستخدم أموال المستثمرين لانتظار ترخيص نموذج العمل أم للمخاطرة دونه أملاً في فرض واقع جديد؟ وغيرها.
خامسًا الصفقة؛ وهو عامل خاص بالشركات الخاصة دون العامة حيث يتم فيه التفاوض للحصول على حقوق تفضيلية للمستثمرين نظير استعدادهم لتحمل مخاطر أكبر ومنها أولويتهم للاستثمار الإضافي في الجولات المستقبلية وضمان عدم اضمحلال حصصهم في حال انخفاض قيمة الشركة مستقبلا وامتيازات التسييل وغيرها من الحقوق المستخدمة بشكل أساسي لتخفيض المخاطر وتعظيم العوائد المحتملان. وتجدر هنا ملاحظة أنه بالرغم من أن قيمة الشركة أحد عناصر عامل الصفقة فإنها ليست عاملا رئيسيا، فالحقيقة أن قيمة الشركة الناشئة هي واقع ما يتفق عليه المستثمرون ورواد الأعمال نتيجة تقييمهم لكافة العوامل الرئيسية.
بعد إجابة مستثمري رأس المال الجريء على هذه الأسئلة يقومون بتعريف ماهية المخاطر في كل منها وتقييمه ومن ثم اتخاذ القرار في قبول هذه المخاطر والاستثمار من عدمه. وحيث أن الشطب وارد بشكل متكرر في محفظة المستثمر الجريء فإن الخسارة الناتجة عن خطر تم التعرف عليه وقبوله قبل الاستثمار يعتبر نجاحا للفريق الاستثماري، وهو معيار مهم في تقييم مديري رأس المال الجريء عند اعتبار الاستثمار في صناديقهم.
من هنا فكيف يمكن النظر لشركة جاهز في ضوء هذه العوامل؟ إن قيمة شركة جاهز اليوم هي انعكاس لتصور مستثمريها عن أملهم في نموها المستقبلي فكل ارتفاع في القيمة هو ارتفاع لسقف التوقعات وزيادة في التحدي على فريق الشركة لتحقيقها.
من نافل القول أن قادة شركة جاهز من أبرز رواد الأعمال المحليين كما أثبت فريقها قدرته على التنفيذ وتجاوز الأهداف، كذلك فلقد تمكنت شركة جاهز من تفريق جوهرها عن منافسيها بالاهتمام بسرعة الخدمة على وجه الخصوص، ولكن في الوضع المحلي الراهن فقد يكون عامل البيئة لاعباً مهما عند النظر لتقييم شركة جاهز.
منذ إطلاق رؤية 2030 لتكون وسيلة مختلفة لتحقيق التنمية من خلال استهدافها مجالات معينة بناءً على تصور لنقاط قوة الدولة ووضعها برامج تنفيذية لتحقيق أهدافها وتحديد مقاييس كمية وزمنية واضحة لهذه الأهداف الأمر الذي مكّنها من رفع فعاليتها في الوصول لها كما ساهم تفاعل كافة مكونات المجتمع مع الرؤية في إعطائها أولوية وجعلها هدفا للعقل الجمعي له. ولقد أثر ذلك بشكل واضح على البيئة التي تعمل فيها شركة جاهز؛ الاستثمار أصبح أحد التوجهات العامة للدولة، ما نتج عنه برامج متعددة على كافة المستويات من الدعم المالي وإصدار التشريعات وتحديث التنظيمات والإجراءات والتعريف بالاستثمار الجريء وتشجيع ريادة الأعمال على أعلى المستويات الحكومية وشبه الحكومية مما شجع القطاع الخاص والمجتمع على سبر هذه الأغوار واستكشاف الفرص الجديدة. من هنا أصبح نجاح دخول شركة جاهز للسوق العام المحلي كأول شركة ناشئة محلية غايـة لكافة هذه الأطراف كدليل ومثال حي على قدرة البيئة المحلية على احتواء بذور ريادة الأعمال وتنمية شجرتها في كافة المراحل حتى التخارج الإيجابي ونجاحها في السوق العام لقطف ثمرتها التي لا تقف فقط على العائد المالي لمستثمريها بل تتعداها للمساهمة في تحقيق مستهدفات الرؤية ذاتها.
وبرغم ذلك وعلى مستوى شركة جاهز، فقد تعني تقييمات المستثمرين الحالية سوقا أبعد من السوق المحلي المحدود والمكتظ باللاعبين ونماذج العمل المنسوخة والتجريبية، لذلك فإن التحدي القائم لشركة جاهز هو في نجاحها في استخدام استراتيجيتها التي مكنتها من اختراق السوق المحلي بعد الآخرين والنجاح فيه. ولكن ما مدى مشابهة الأسواق التالية وتفضيلاتها لمعطيات السوق المحلي الذي نجحت شركة جاهز فيه؟ من هنا فقد يكون الخيار الذي يمكّن شركة جاهز من تحقيق تطلعات مستثمريها الطموحة هو في تغييرها قواعد اللعبة كلية وقدرتها على إعادة ابتكار نموذج عمل ناجح لركوب التوجه الملحوظ في قطاع توصيل المطاعم في التحول من العلامة التجارية للمطعم إلى العلامة التجارية للوجبة مما قد يفتح لها المجال لدخول وكسب حصص سوقية جديدة وتحسين هوامش الربحية.
ختاما، فإن جاهز هي باكورة البيئة الريادية السعودية التي لا تزال في فجرها، ومع وجود الإرادة السياسية والدعم الكبير لها فإن ذلك سيعجل من تسريع نضوج تجربتها وصقل خبرات كلا طرفيها من رواد الأعمال والمستثمرين مما سيمتد أثره على البيئة المحيطة بشكلها الواسع وينعكس على شكل النجاحات الريادية المستقبلية بصورة إيجابية بإذن الله تعالى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال