الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بمُجَرَّدِ انتشار تقنيَّاتٍ مُتقدِّمةٍ في المجال الإلكتروني، نجد المبتكرين في عالم الأعمال يُحوِّلون هذه التقنيات إلى فرصٍ استثماريةٍ مبتكرةٍ.
لكن لكلِّ بدايةٍ رهبتها، خاصَّة إذا كانت البداية في مجال الاستثمار المحفوف بالمخاطر؛ فقد تكون فكرة الاستثمار المبتكرة هذه غير منطقيةٍ وفق قواعد المنافسة في السوق التي لا ترحم.
بناءً عليه، فقد دَرَجَ استخدام مصطلح الاستثمار الجريء أو المُغَامِر على ذلك النوع المبتَكَر من الاستثمار، وقد أصبح هذا الاستثمار مُلتَحِمَاً بالمجال الإلكتروني في عصر التكنولوجيا الحالي.
فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي كانت فيه المتاجر الإلكترونية تتلمَّس طريقها بحذرٍ في ظلِّ منافسةٍ شرسةٍ من المتاجر التقليدية العريقة خلال عشرية 2001-2010، فقد أثبتت هذه المتاجر أنَّها خيارٌ أساسيٌّ أصيلٌ وليس مجرَّد خيارٍ مُوازٍ بعد انتشار التقنيات المالية المُرتَبِطَة بشبكات الإنترنت، والتي ضاعفت الهواتف الذكية من انتشارها ونجاحها، بأجيالها المُتَعَاقِبَة، وأنظمة تشغيلها الذكية خلال عشرية 2011-2020.
أمَّا بعد انتشار جائحة كوفيد-19 التي فرضت اشتراطات التباعد الاجتماعي، فقد أصبح المتجر الإلكتروني ليس فقط نوعاً آمناً من الاستثمار، بل إنَّه قد أصبح شكلاً شبه تقليدي للاستثمار.
وهكذا، تنتقل الابتكارات الاستثمارية من صفة المغامرة إلى الواقع مع مرور الوقت.
وهنا علينا التمييز بين نوعَيْن من الجرأة في عالم الاستثمار:
* الجرأة المترافقة مع الاستثمار التقليدي؛ وهي تَعنِي قيام المستثمر بصفقاتٍ فيها هامشُ مخاطرةٍ كبيرٍ، لكن على أدواتٍ استثماريةٍ تقليديةٍ، كأن يَقُومَ أحد المتداولين في البورصة بشراء أسهمٍ ذات سعرٍ متدهورٍ، على أمل تحسُّن الشركة التي أصدَرَتْ هذه الأسهم، ثم ارتداد سعرها للارتفاع بشكلٍ كبيرٍ.
هذه الجرأة قد لا تكون في محلِّها؛ فيخسر المستثمر -نتيجةً لذلك- جزءاً كبيراً من رأس ماله، أو حتى كل رأس المال، وهكذا يدفع أمواله ثمناً لجرأته التي كانت في الحقيقة مَحْضَ تهوُّرٍ ومخاطرةٍ غير محسوبة العواقب.
* الاستثمار الجريء؛ وهو ذلك النوع من الاستثمار الذي تكون أداة الاستثمار فيه هي المخاطرة بحدِّ ذاتها، كأن يقوم مستثمرٌ بشراء ابتكارٍ تقنيٍّ ثم يُسوِّقُ لخدماته عبر شركةٍ يؤسِّسها لهذا الغرض.
وعلى هذا الشكل، نرى مثلاً بعض المستثمرين يقومون بشراء حقِّ الاستثمار لتطبيقات للهواتف الذكية، ثم ينشؤون شركاتٍ برؤوس أموالٍ خاصةٍ بتشغيل تلك التطبيقات.
هكذا يكون الاستثمار كلُّه عبارةٌ عن مخاطرةٍ دون وجود أيِّ أرضٍ صلبةٍ للمستثمر حتى يَقِفَ عليها إذا اهتزَّ المركز المالي للمشروع، أو وقع في أزمةٍ، أو تبيَّن فشل الابتكار الذي هو عِمَادُ الاستثمار الجريء.
وإذا أردنا تحليل جدوى الاستثمار الجريء نجد أنَّه يَعتَمِدُ على مبدأٍ بسيطٍ في عالم الأعمال؛ ألا وهو أنَّه كلَّما ازدادت المخاطر، كلما ارتفع هامش الربح المُحتَمَلُ.
فالمستثمر الذي يشتري تطبيقاً إلكترونياً لتوصيل الطلبات بمبلغ 50 ألف ريال، ثم يُنشِئُ شركةً لتشغيل هذا التطبيق برأس مالٍ 100 ألف ريال (المجموع 150 ألف ريال)، قد يُحقِّق أرباحاً تتجاوز هذه المبالغ عشرات المرَّات؛ فقد يَصِلُ الربح إلى حدود 500% أحياناً، إذا ضخَّت الاشتراكات في التطبيق الإلكتروني ما يتجاوز مبلغ 750 ألف ريال من أول سنة.
بينما في الاستثمار التقليدي يَصعُبُ أن يُحقِّق المشروع ربحاً في أول 5 سنوات في ظلِّ المنافسة الكبيرة من مشاريع الأعمال المُستقرَّة، والتي تتمتَّع بسوقٍ راسخةٍ وزبائنٍ من سنواتٍ طويلةٍ، ثم قد يبدأ المشروع بتحقيق أرباحٍ بسيطةٍ لا تتجاوز 2% إلى 5%، ولا يمكن تَصَوُّر أن تتجاوز الأرباح نسبة 15% في أفضل الأحوال.
لكن في المقابل، قد تَظهَرُ مشكلاتٍ تقنيةٍ في التطبيقات الإلكترونية، أو ألاَّ يَجِدَ التطبيق صدىً لدى الجمهور، أو أن تكون فكرة التطبيق متنافيةً مع الثقافة السائدة لدى الشريحة المُستَهدَفَة من المستهلكين، أو غيرها من أسباب الفشل الذريع للاستثمار الجريء.
وهكذا، قد يتسبَّبُ الاستثمار الجريء بخسارةٍ كبيرةٍ تأتي على معظم قيمة رأس المال، والسبب هو أنَّ هذا الاستثمار لا يَقِفُ على أرضٍ صلبةٍ، بل على أمل نجاح الابتكار فقط.
بينما، في المشروع التقليدي، صحيحٌ أنَّه قد يتأخَّر في تحقيق الأرباح، وتكون نسبة الأرباح قليلة بالمقارنة مع رأس المال، ويكون نموُّ هذه الأرباح بطيئاً، إلاَّ أنَّ المشروع التقليدي يستَنِدُ على أرضٍ صلبةٍ مَفَادُهَا مجموعةٌ من الأصول المادية والأموال، وحتى أنَّ سمعَتُهُ التجارية والوزن الذي يَحمِلُهُ الاسم التجاري يكون مُستَنِدَاً على تجارةٍ معروفةٍ لا يُمكن أن تختفي أو تهلك فجأةً، لذا تكون الخسارة بنسبةٍ معقولةٍ من رأس المال المشروع التقليدي عادةً.
بناءً عليه، فإنَّ الاستثمار الجريء بحاجةٍ إلى دعمٍ من جهةٍ حكوميةٍ تستطيع احتمال المخاطر أكثر من المشاريع الناشئة الطموحة، وهكذا تقلُّ قيمة المخاطر بالنظر إلى إمكانية تحقيق أرباحٍ خياليةٍ؛ هذه الجهة في المملكة هي الشركة السعودية للاستثمار الجريء، وهي موضوع الجزء الثاني من هذا المقال إن شاء الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال