الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يُصبِحُ المشروع المتعثِّر تحت سلطة محكمة الإفلاس بمجرَّد أن تتمَّ التسوية الوقائية أو إعادة التنظيم المالي أو التصفية، هذه السلطة منحها المنظم بصلاحياتٍ واسعةٍ بغرض تسيير الإجراءات الدقيقة لإخراج المشروع من أزمته أو تصفيته بين دائنيه.
وفي الواقع، يؤثر عمل محكمة الإفلاس بشكلٍ جوهريٍّ في نجاح إجراءات الإفلاس الرسمية؛ وهذا يعني أنَّ قدرة نظام الإفلاس على فرض الثقة في المعاملات التجارية تتوقَّف على حسن قيام المحكمة بصلاحياتها.
هذا الواقع يعني أنَّ دور لجنة الإفلاس يؤثِّر في مدى سرعة العمليات التجارية؛ والسبب أنَّ التجارة تقوم أساساً على الائتمان التجاري، أي على الدين، فالتاجر لا يملك كلَّ ما يشتري أو يبيع، وهذه وضعيةٌ طبيعيةٌ في عالم التجارة.
لكن إذا كانت جهة التمويل التجاري تخشى من وقوعها في دوامة إجراءاتٍ روتينيةٍ صعبةٍ وطويلةٍ، فلن تتشجَّع على تقديم الائتمان للتجَّار؛ وهذا يعني أنَّ التاجر سيعتمد على ما يتوفَّر لديه فقط من السيولة، وبالتالي ستقلُّ عمليَّاته التجارية، وتنخَفِضُ موارِدُهُ، ولذلك قد يتَّجه التاجر نحو رفع هامش ربحه؛ وهذا ما قد يؤدِّي إلى ارتفاع الأسعار أيضاً.
بالتالي، فإنَّ إصلاح منظومة عمل محكمة الإفلاس هو السبيل الوحيد إلى تطوير منظومة العمل التجاري، بالنظر إلى الصلاحيات الجوهرية التي تتمتَّع بها هذه المحكمة وفق نظام الإفلاس.
ونجد أنَّ نظام الإفلاس قد ربط الإجراءات الرسمية بعد ثبوت التعثُّر المالي للمشروع مع المحكمة بشكلٍ مباشرٍ، حيث نجد النظام قد فرض تقديم الطلبات إلى المحكمة مباشرةً (طلب التسوية م13 – طلب إعادة التنظيم المالي م42 – طلب التصفية م92).
لكن بالنظر إلى دقَّة وتخصُّص إجراءات الإفلاس، فإنَّ المُنَظِّم ارتأى وضع قواعدٍ خاصَّةٍ بالخبراء، والأمناء، والإشراف، والتفتيش على التفليسة، وكان لا بدَّ من جهةٍ تقوم على هذه المسائل الفنية والإدارية، فكانت: “لجنة الإفلاس”.
ونجد أنَّ نظام الإفلاس قد منح لجنة الإفلاس صلاحيات جوهرية، أهمُّها:
إنشاء سجل الإفلاس، وحِفظِهِ، وإدارَتِهِ (م9-2-أ)، وهكذا تكون بيانات جميع حالات الإفلاس تحت سلطة اللجنة.
ولا تُعتَبَر مسألة مسك السجلات الرسمية مسألةً روتينيةً، بل هي مسألةٌ حسَّاسةٌ على جودة سير الإجراءات، خاصَّة أنَّنا بصدد إجراءات قضائية.
الترخيص لأُمَنَاء الإفلاس والخبراء (م9-2-ب)، وفق المعايير التي تضعها اللائحة التنفيذية للنظام.
فعلى الرغم من أنَّ معايير الترخيص ترجع للائحة التنفيذية، إلاَّ أنَّ قرار الترخيص يَصدُرُ من لجنة الإفلاس، أي أنَّ اللجنة هي التي تقوم بتقدير توفُّر هذه المعايير في الأمناء والخبراء من عدَمِهَا.
إعداد قائمة أمناء الإفلاس والخبراء (م9-2-ج)، والقيد فيها وفق معايير اللائحة.
التفتيش والتحقُّق من إجراءات الإفلاس (م9-2-ه)، وهي صلاحياتٌ ميدانيةٌ غايةٌ في الأهمية والتأثير على جدوى النظام من الأساس، وعلى حسن تطبيقه، واحترامه.
وضع معايير المدين الصغير (م9-2-ز)، أي أنَّ لجنة الإفلاس يكون لها صلاحية تحديد المعايير التي يكون بمُوجِبِهَا المدين صغيراً، ذلك بالتنسيق مع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسِّطة.
وهذا يعني أنَّ المدين الصغير لن يخضع لإجراءات التصفية التقليدية لصغر حجم التفليسة، بل سيخضع للتصفية الإدارية بإدارة اللجنة ذاتها.
إجراء التصفية الإدارية (م9-2-ط)، وهي العملية التي يتمُّ تنفيذها عندما تكون التفليسة ميؤوسٌ منها؛ حيث لا تكفي حتى للوفاء بمصروفات إجراء التصفية، وكذلك في حالة صغار المدينين. بالتالي، لا يكون من جدوى لتطبيق إجراءات التصفية التقليدية؛ لأنَّ كلفتها ستكون أكبر من قيمة التفليسة، فهنا يكون على لجنة الإفلاس إدارة التصفية بغرض بيع الأصول المتبقية في التفليسة.
المراجعة الدورية لأحكام نظام الإفلاس ولائحته التنفيذية (م9-2-س)، ثم إبداء المقترحات اللازمة لزيادة فعالية أحكام النظام وتطويره (م9-2-م). وبالنظر إلى تخصُّص لجنة الإفلاس، وخبرَتِهَا في مجال صلاحياتها، فمن الممكن جداً أن تتحوَّل مقترحاتها بسرعةٍ إلى قواعدٍ جديدةٍ.
تترافق كلُّ هذه الصلاحيات الجوهرية لِلَجنة الإفلاس مع حقيقة أنَّ عضويَّتها ليست لرجال القضاء بالضرورة، بل إنَّ نظام الإفلاس أتاح تعيين أيِّ شخصٍ من ذوي الخبرة والتأهيل، يقترحهم وزير التجارة والاستثمار، ويتمُّ تعيينهم من مجلس الوزراء (م9-1).
يُضافُ إلى هذا، أنَّ لجنة الإفلاس بكامل صلاحيَّاتها ذات الأثر الجوهري على تطبيق النظام، يحقُّ لها تفويض أيِّ شخصٍ تَرَاهُ مُناسِباً لتنفيذ بعضٍ من اختصاصاتها الإدارية والتنفيذية (م11-ب).
وهكذا، يبدو واضحاً أنَّ صلاحيات لجنة الإفلاس والجهات التي تقوم بتفويضها، قد تنعكس على مدى نجاح محكمة الإفلاس بتنفيذ صلاحياتها القضائية، وهذا يؤثر بطبيعة الحال في توازن معاملات الائتمان التجاري.
بناءً عليه، يبدو لنا أنَّ نظام الإفلاس بحاجةٍ إلى التعديلات التالية:
حصر عضوية لجنة الإفلاس بالقضاة من ذوي التأهيل والخبرة المالية والاقتصادية.
إخضاع سجل الإفلاس لمراجعةٍ دوريةٍ مستقلةٍ عن لجنة الإفلاس، عبر هيئة تفتيشية برئاسة قاضٍ.
إتاحة المجال لاستئناف قرار لجنة الإفلاس برفض التعيين تجاه أي شخص يتقدم للترخيص بمركز أمين التفليسة أو خبير مقيد في سجل الإفلاس، على أن يكون الاستئناف أمام المحكمة التجارية.
وضع معايير المدين الصغير عبر قرارٍ يَصدُرُ حتى يُكمِّل اللائحة التنفيذية لنظام الإفلاس.
حصر إطار التفويض الممكن من لجنة الإفلاس إلى جهة أخرى موضوعياً عبر تحديد الصلاحيات التي يمكن تفويضِهَا، وشخصياً عبر حصر التفويض إلى قضاة فقط.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال