الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ما أن تنفس الصعداء العديد من الخبراء الاقتصاديين بعد زوال تبعات جائحة كورونا الى حد كبير، الا وتوالت الاخبار والانباء وتصاعدت الارقام حول بيانات التضخم في العالم اجمع وليس فقط في دول معينة.
هذا الامر – اقصد ارتفاع معدلات التضخم – كان متوقعاً ولم يكن مفاجئاً، لسبب بسيط، وهو انتهاج الدول لسياسات اقتصادية توسعية لمجابهة جائحة كورونا والتغلب على معدلات البطالة المرتفعة والحد من التسرب الوظيفي الذي قد يقلق الساسة حول العالم مما يهدد الامن القومي للعديد من الدول، اذا لجأت العديد من الدول وخاصة الكبرى منها او الدول المتقدمة لابقاء اسعار الفائدة لمستويات متدنية قريبة من الصفر حتى يتم تحفيز الاقتصاد، ولكن كيف يتم ذلك؟
في حال الازمات تلجأ الدول للتدخل في العجلة الاقتصادية، وذلك حسب النظرية الكينزية ( نظرية الاقتصاد الكلاسيكي المتقدم لعالم الاقتصاد البريطاني جون كينز بعد الكساد الكبير) فتقوم الدول بزيادة الانفاق الحكومي دعما للطلب الكلي ودعما للاقتصاد، بالاضافة الى وسائل اخرى منها التيسير الكمي الذي لجأت اليه الولايات المتحدة الامريكية في 2008 ايام الازمة المالية العالمية، وايضا في 2020م دعماً للمعروض النقدي في الاقتصاد.
ولكن هذا الامر له اضرار جانبية بالتأكيد، اهمها ارتفاع معدلات التضخم ، نظرا لارتفاع معدلات السيولة في الاقتصاد، وزيادة المعروض النقدي، لذا تلجأ الدول مرة اخرى من خلال البنوك المركزية لرفع سعر الفائدة لسحب السيولة ومحاولة السيطرة على التضخم.
للشرح المبسط، يجب ان نستذكر اولاً عالم الاقتصاد المعاصر المهم ميلتون فريدمان، وهو دكتور اقتصاد امريكي شهير عمل مستشارا اقتصاديا للرئيس رونالد ريغان، بالاضافة الى عمله مستشارا اقتصاديا لرئيسة الوزراء البريطانية المحافظة مارغريت ثاتشر، هذا العالم المهم شرح النظرية النقدية بشكل مفصل، واصبح من رواد المدرسة النقدية الحديثة حتى وفاته في العام ٢٠٠٦، وتلخصت نظريته بشكل مبسط ودقيق في المحافظة على معدل التضخم من خلال السيطرة على السيولة النقدية والمعروض النقدي في الاقتصاد، وحمل مسئولية الكساد الكبير وتبعاته (١٩٢٩-١٩٣٣) على محافظي البنوك المركزية بشكل كامل، بسبب قراراتهم الغير مواكبة للازمة.
يجب ان نعلم ان هناك علاقة عكسية بين سعر الفائدة ومعدل الاستثمار في الاقتصاد ، اي انه عندما يرتفع سعر الفائدة تزيد تكلفة الاقراض للشركات فيقل الطلب على الاقراض فيقل بالتالي حجم الاستثمارات، كما ان ارتفاع تكلفة الاستثمار يؤدي بلا شك الى ارتفاع التكاليف على الشركات مما يجبرهم لرفع اسعار المنتجات وبالتالي محاولة تقليل التكاليف من خلال تسريح عدد من الموظفين فيرتفع معدل البطالة!
في المقابل فإن رفع سعر الفائدة يؤدي الى جذب السيولة النقدية وزيادة الطلب على الودائع، وسحب السيولة من السوق، وبالتالي يزيد الطلب على الودائع، هذا الامر بشكلٍ واضح يزيد تدفقات الاموال من الخارج الى الداخل فيزيد الطلب على العملة فيزيد سعر صرفها، لذا فإن قرار رفع سعر الفائدة يجب ان يكون مبنياً على دراسات مستفيضة واسعة مليئة بالاحصائيات والارقام التي تساعد متخذ القرار الاقتصادي لاتخاذ القرار بالرفع بنسبة معينة بما يتواكب مع الوضع الاقتصادي الداخلي والخارجي.
بالنسبة للمملكة فإن معدلات التضخم ترتفع في الاونة الاخيرة ليس بسبب زيادة معدلات السيولة في الاقتصاد فحسب، ولكن بسبب زيادة القوة الشرائية بشكل عام، وتنوع مصادر الصرف للاشخاص داخل المملكة مما يحفز التاجر لرفع الاسعار وزيادة المنافسة مع الاخرين، ولكن هذا الامر سوف يتغير حينما يتم رفع سعر الفائدة الذي يعتبر في الوقت الحالي عند ادنى مستوياته، والتوقعات تشير الى تغييره خلال شهر مارس 2022م او بداية ابريل.
في الجانب الاخر نجد ان المملكة المتحدة مثلا وصل معدل التضخم فيها الى 7% مقارنة بـ٥٪ عام 2020 ولكن هذا ليس بسبب زيادة انفاق الدولة على قطاعات معينة وزيادة معدلات الدعم للرواتب بنسبة 80% فحسب خلال ازمة كورونا، ولكن ايضا بسبب قرار الحكومة البريطانية الخروج من الاتحاد الاوروبي، مما ادى الى خروج العديد من الايدي العاملة من بريطانيا واغلاق العديد من المحال التجارية، كما ادى الى انخفاض الانتاج وانخفاض المعروض، وبالتالي زيادة الاسعار، واضطرت الحكومة البريطانية مرغمة الى رفع سعر الفائدة مؤخرا، وهناك مطالبات واسعة في الوقت الحالي لرفع سعر الفائدة بنسبة 0.25% لمجابهة التضخم.
بشكلٍ عام تعتبر المسألة صعبة ومعقدة، ولكن لتبسيطها للقاريء، فإن التضخم وارتفاعه يعتبر مشكلة كبيرة تواجه متخذي القرار الاقتصادي، ويؤدي الى تآكل قيمة العملة المحلية مقارنة بالعملات الاخرى، لذا فإن الدول المستقرة سياسيا واقتصاديا نجد انها مستقرة ايضا من ناحية معدلات التضخم، وسعر صرف العملة، ومهما واجهت تلك الدول من ظروف وتحديات وازمات كبيرة، كمثل الولايات المتحدة الامريكية، وبريطانيا، وفي الشرق الاوسط مثل السعودية، فإنها من اكثر الدول استقرارا وتناغما مع الازمات الاقتصادية وتواجه تلك الازمات بكل احترافية واقتدار، وهذا الأمر يتضح من خلال الارقام التي نقرأها، بالاضافة الى الاستقرار السياسي والامني الذي ينعكس من ذلك.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال