الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في هذا المقال أود ان أوقف القاريْ على بعض القرارات الطبية التي تسببت في وفاة بعض الأجنة، والنماذج في الحقيقة كثيرة، لكن الذي يهم هنا الوقوف على حادثتين وقعتا في انجلترا لنرى من خلالهما حجم أثر القرار السيْ على حياة الجنين . سنسرد الحادثتين كما هي بتفاصيلها المهمة، ثم نحاول التعرف على موقف النظام الصحي السعودي فيما لو وقعت حالات مشابهة، هل سيسهم في اتخاذ القرار الأصوب؟ أم سيُعاد الخطأ السابق كما لو كانت الحادثة جديدة؟
الحادثة الأولى، كانت مع سيدة تُدعى “كلير” في جنوب انجلترا – وكانت حاملاً عام 2019 – حين أُدخلت وحدة الأمومة (MDU) وصُنف حملها على أنه عالي الخطورة؛ لأن جنينها أصغر مما ينبغي، فالنمو المتأخر يعرض الطفل لخطر الإصابة ببعض المشاكل الصحية أثناء الحمل إلى ما بعد الولادة. في الاسبوع الـ 29 للحمل، أُدخلت الأم إلى المستشفى ثم عادت إلى المنزل وقد أُصيبت بـ “تسمم الحمل”. وعلى الرغم من ذلك؛ إلا أن الفريق الطبي لم يقرر إجراء عملية قيصرية طارئة للأم إلا بعد أسابيع، فولدت ابنها ميّتاً دون علامات الحياة.
خلص التقرير الطبي إلى أنه كان هناك العديد من الإخفاقات في رعاية الأم، وتحديداً فيما يتعلق بإدارة تسمم الحمل لديها. ومع ذلك، لم يعترف المستشفى بالتقصير. لذا تولت شركة محاماة المطالبة بعد الحصول على تقرير استشاري أمراض نساء وولادة بأخطاء المستشفى وجوانب قصور الرعاية الطبية مع الأم الحامل، إضافة إلى الإخفاق في إجراء عملية قيصرية بعد العلم بتسمم الحمل. انتهت القضية بتسوية وافق فيها المستشفى على دفع تعويضات إلى الأم على أن يبقى تفاصيلها طي الكتمان.
الحادثة الثانية كانت أيضاً في انجلترا حيث كانت السيدة شيني تراجع مستشفى ترورو- (2016) بسبب حملها. وفي الأسبوع 38 حصل لها نزيف حاد، فاتصلت هي وزوجها بالقابلات في مركز الولادة المحلي للإبلاغ عن ذلك في وقتين مختلفين. إلا أنه اُكد لهما بأن النزيف مجرد عرض. وقد كان مركز الولادة عبارة عن وحدة فيه القابلة بدون أطباء، ولا يوجد فيه جهاز CTG أو جهاز الموجات فوق الصوتية التي تستخدم لمراقبة حالة الطفل.
وعند الولادة ذهبت الأم إلى مركز الولادة إلا أن القابلة تفاجأت بأن لا نبضات في قلب الجنين، لذا أُحيلت إلى مستشفى Royal Cornwall حيث أُجريت هناك فحوصات بالموجات فوق الصوتية والتي أكدت عدم وجود نبض في قلب الجنين، وأن طفلها قد مات. نتيجةً لإهمال المستشفى الأول؛ عانى الوالدان من إصابات نفسية، فالقابلات في مركز الولادة كان عليهن أن ينصحوا الأم بالذهاب إلى وحدة التوليد ليقيمها طبيب توليد. أخيراً، عرض المستشفى تعويضاً للأسرة والتي قبلتها لإغلاق ملف القضية.
تلك مجرد حالات تتكرر صورها في مختلف بلدان العالم وقد يتفق الأطباء أن ثمة مجموعة من الأسباب قد ينتج عنها ولادة طفل ميت مثل: مضاعفات المشيمة، نزيف أثناء أو قبل المخاض، تسمم الحمل، مشاكل الحبل السري، عيب وراثي، مرض السكري، إصابة الأم بعدوى، انخفاض مستويات الأكسجين للطفل (أثناء وجوده في الرحم أو أثناء الولادة) اضافة إلى أخطاء في قراءة نتائج تخطيط قلب الطفل من قبل القابلات والاستشاريين.
ولتجنب آثار تلك القرارات الخاطئة في هذا الصدد؛ أصدرت وزارة الصحة السعودية وثيقة مفصلة ورائعة عن الحقوق، أي حقوق المرضى، ومنها حقوق المرأة الحامل حيث أشارت إلى أن من حقها الحصـــول على الرعايـــة الصحية قبـــل وأثناء وبعد الحمل والـــولادة وإجـــراء الفحـــوص الروتينية قبل الولادة ( سواء كانت طبيعية أو قيصرية) والمساعدة على التحويل الـــى مراكز متخصصة عنـــد الحاجة. بيدَ أنه من المثير، أنه في ذات الوثيقة وتحت عنوان “حقوق المرأة الصحية” قيّدت الإجهاض بقرارين أحدهما طبي والآخر شرعي، وعلى أن يكون ذلك على وجه السرعة، كما جاء في النص التالي:
“الحصـــول علـــى المشـــورة الصحيـــة والشـــرعية للإجهاض في حالة الحمـــل المترافقة مع الأمراض شـــديدة الخطـــورة وفـــي حالـــة التهديد الشـــديد لحيـــاة الحامل أو الجنيـــن وتأكيد ذلـــك من خلال لجنة من ثلاث استشـــاريين ودعمهـــا بقرار إفتائي من اللجنـــة الشـــرعية الطبيـــة بشـــكل عاجل. ” ووجه الغرابة هو عدم الاكتفاء بالقرار المتكون من ثلاثة أطباء استشاريين فقط، بل اشترط لنفاذ هذا القرار الحصول على قرار آخر شرعي. ربما يكون ذلك عائد إلى أن الحالة الحاضرة لها تعلق بالمسؤولية الجنائية، خاصة إذا تجاوز الحمل أربعة أشهر. وقد جاء في نظام مزاولة المهن الصحية ولائحته التنفيذية (مادة 22/1) أنه ” بعــد الطور الثالــث وبعد إكمــال أربعة أشــهر للحمل لا يحل إســقاطه حتــى يقرر جمع مــن المختصين الموثوقين أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإنقاذ حياته”. أ. هـ (جزء من نص قرار هيئة كبار العاماء عام 1407هـ. )
وثمة تساؤلات: إذا كان النظام قد أجاز الإجهاض استناداً إلى رأي عدد من الأطباء، فلمَ وثيقة الحقوق تنص على قرار افتائي؟ وهل هذا النص سيقلل من حيرة الأطباء؟أم سيزيد؟ وهل بالفعل سيسهم ذلك في تسريع اتخاذ قرار يتعلق بحياة الأم الحامل أم بجنينها أم بهما معاً؟ ونص الوثيقة تؤكد على أن يكون ذلك بقرار إفتائي بشكل عاجل!
ندرك أن تواجد الاستشاريين أمر ممكن في كل وقت، لكن ماذا عن أعضاء اللجنة الشرعية لإصدار قرار الفتوى، هل سيكونون متواجدين؟ ماذا لو كانت الحالة في مناسبات الأعياد مثلاً! هل قصدت تلك النصوص النظامية إنقاذ حالة الجنين أم أمه أم أنها راعت أن يكون ذلك في إطار قرار متكامل شرعي وطبي؟ إذا كان الأمر هو الأخير فإن العجلة غير متصورة! تلك أسئلة قد يفرضها الواقع يوما ما، وتطلّب قرار فتوى من اللجنة قد يضر بحالة الأم، والأمر – على أي حال – متروك للمسؤولين في تقدير إعادة النظر في صوابية النص على تطلب قرار إفتائي لحالة إجهاض، وهل يمكن أن يُستعاض عنها بقرار طبي مع موافقة احد الوالدين؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال