الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الرقمنة تجتاح العالم، لا يهم أين تعمل؟ وماذا تعمل؟ وكيف تعمل؟ في كُل إتجاه تجد الرقمنة حاضرة من حولك وممكنة لك من الحصول على خدمات أفضل بوقت أسرع بجودة أعلى. ما يحدثُ حالياُ أن الرقمنة (وهو مصطلحٌ يعني الإستخدام الأمثل للتقنية) تعيدُ تشكيل العالم وحدوده وإمكانياتهُ وآفاقه وثقافته وتعريف الممكن والمستحيل بل وحتى تفاعلات مكونات هذا العالم من منظمات ودول وأمم على كافة الأصعدة. ومن ابرز ما تقدمه الرقمنة في هذا المجال وعلى صعيد العلاقات الدولية والقوى الناعمة هو الميلاد الجديد والمتنامي بسرعة بالغة لمفهوم “الدبلوماسية الرقمية”.
في عالم الدبلوماسية الأساسي العريق الذي تحكمه البروتوكولات والأصول والإتفاقيات والأعراف الدولية والتجارب السياسية العميقة، تقفز “الدبلوماسية الرقمية” أمام ذلك كله وتتجاوز الملامح العامة والمظاهر الخارجية لشجرة العلاقات الدولية لتعيد تشكيل الجذور لتلك العلاقات والتفاعلات. تتجاوز “الدبلوماسية الرقمية” تغريدات المجاملات الدبلوماسية المتبادلة بين الدبلوماسيين عادة، لتعيد تشكيل البنية الرقمية التحتية وشبكات الاتصالات بين الدول وهيكيلية البيانات الضخمة وتبادلها. والتعاطي مع الأمن السيبراني وانتهاء بإعادة ابتكار مفهوم السفارات الرقمية.
الدبلوماسية الرقمية ليست بديلا عن الدبلوماسية العامة، وقد سئلت شخصياً في مؤتمر دولي، حيث كانت تجلس بجواري السفيرة الرقمية لأحدى الدول المتقدمة وهو منصب حديث استحدثته تلك الدولة بشكل استباقي لتتفوق في مجال الدبلوماسية الرقمية : هل لديكم في السعودية سفير رقمي؟ . وأجبت بيقين مطلق: نعم لدينا ولكن ليس لدينا سفير واحد فقط بل لدينا اكثر من 193 سفير حول العالم كل واحد منهم هو سفير رقمي، ومن بيئة رقمية و تقدم سفارته الخدمات بشكل رقمي متكامل ومتفاعل مع جميع المستفيدين.
تنبثق “الدبلوماسية الرقمية” من “السياسة الرقمية الخارجية”، الذهاب للملعب الدولي بدون سياسية واضحة في المجال الرقمي، تجعلك تركض في مارثونات رقمية لا تنتهي بدون تحقيق نتائج تذكر. تكمن أهمية السياسة الرقمية الخارجية في كونها تحدد حدود الممكن والمسموح في الدبلوماسية الرقمية بآفاقها الواسعة وتحديدا في مجالاتها التالية:
– دبلوماسية الأمن السيبراني:
مع الاهتمام المتزايد بالأمن السيبراني والتصاعد المذهل للهجمات الالكترونية، تحتاج الدول وبالذات النامية منها إلى المساعدة في التصدي لهذه الهجمات، حتى أن الأمم المتحدة في مؤتمر حوكمة الإنترنت والذي عقد اواخر العام الماضي في بولندا قد عقدت حلقة نقاش خاصة عن دبلوماسية الأمن السيبراني في أفريقيا. تمكننا دبلوماسية الأمن السيبراني من مساعدة الدول الصديقة والشقيقة في مجالات الأمن السيراني ونقل الخدمات والمعرفة والعمل الجماعي في الوقت الذي نريد بالطريقة التي نريد وفق إطار مصالحنا العامة.
– دبلوماسية الخدمات الرقمية:
وتشمل كل ما يتعلق بالخدمات الحكومية بداية من التشريعات والمعايير الرقمية والتصميم والبرمجة الى المنتجات والخدمات، فعلى سبيل المثال خدمات منصة أبشر الرائدة لا يوجد لها مثيل في الكثير من الدول. حتى ان واحدة من أكبر الدول بدأت تفكر في مساعدة مواطنيها في الحصول على جواز السفر بشكل رقمي وهي الخدمة التي تقدم لدينا منذ اكثر من عشر سنوات. نستطيع عبر دبلوماسية الخدمات الرقمية أن ننقل تطبيقاتنا للدول الصديقة والشقيقة و نعزز علاقاتنا الاستراتيجية معها.
– دبلوماسية البيانات والمعلومات:
البيانات الضخمة لدى كل دولة هي ثروة وطنية كبرى وهي كالبترول الخام، وتحليل البيانات الضخمة يشبه عمليات تكرير البترول وتصميم الحلول والخدمات الرقمية وتسويقها والاستفادة منها بخطة دبلوماسية محكمة يشبه انتاج المنتجات البترولية وبيعها عبر شبكة إمداد محكمة. بدون دبلوماسية البيانات لن نتمكن من السيطرة والوقوف في وجه الشركات العملاقة التي تمتلك بيانات المستفيدين فعلى سبيل المثال يعد الواتساب وسيلة مراسلة رئيسية في السعودية ولكن عدد المستخدمين لا يمثلون سوى قرابة 1% من المستخدمين للتطبيق على مستوى العالم، في حين أن منظمة التعاون الرقمي التي بادرت بتأسيسها المملكة وبمشاركة ثمان دول فقط حتى الآن. قد تصل نسبة المستخدمين فيها لهذا التطبيق الى 16%، يمكن حينها دبلوماسياً الضغط والتفاوض بل وحتى فرض العقوبات كما يفعل الإتحاد الأوروبي.
– السفارات الرقمية:
تمكن السفارات الرقمية المستفيدين من الحصول على الخدمات الرقمية بشكل سلس وسهل ومتكامل، كما أنها تخفف العبء الإداري عن المسؤولين في هذه السفارات للتركيز على عملهم الدبلوماسي الأساسي و تمثيلهم للوطن وبناء العلاقات المؤثرة بالإضافة للتوفير الكبير في ادارة وتشغيل هذه الخدمات وتكاملها مع الخدمات الوطنية محلياً. فضلاً عن امكانية خدمة المواطنين عن بعد في الدول والبلدان التي لاتوجد فيها سفارات فعلية.
وختاماً ” الدبلوماسية الرقمية” هي القوة الناعمة القادمة، والتفوق الرقمي السعودي والإرث الدبلوماسي السعودي العريق يمكننا من قيادة هذه المرحلة بكفاءة واقتدار.. وهي كالشجرة التي تغذيها الرقمنة فتنمو ويأتيك أُكلها.. ولو بعد حين… والله أعلم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال