الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
محاربة الغرب لمصادر الطاقة الأحفوري وطمعها في مخزونات معادن الطاقة النظيفة، يستوجب منه السيطرة على المواقع الغنية بهذه المعادن ومن ضمنها أوكرانيا. الأكيد في القصة هو أن الغرب مصمم على مايريد، وروسيا لن تسمح لأوكرانيا أن تخرج من فلكها مهما كلف الأمر، ولا خوف من نشوب حرب عالمية ثالثة لأنها بالفعل قائمة منذ عدة سنوات بآلياتها الاقتصادية والإعلامية الأعلى فاعلية من النووية.
بعيدا عن زوايا الارتكاز المتعددة في الوضع الحالي مثل العلاقة التاريخية بين روسيا وأوكرانيا التي كانت جزءا من الإمبراطورية الروسية، والحراك الانفصالي شرق وجنوب أوكرانيا والذي نتج عنه اليوم ظهور الجمهوريتين دونيتسك ولوغانسك، بالرغم من محاولة حل النزاع فيهما قبل عدة سنوات من خلال اتفاقيات مِنْسك الأولى والثانية وبعدها اتفاقية نورماندي برعاية روسيا ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية، والخلاف العقدي بين روسيا الأرثوذكسية وباقي أوروبا الكاثوليكية التي سلمت زمام قيادتها قصرا بعد الحرب العالمية الثانية للولايات المتحدة البروتستانتية، وبعيدا أيضا عن استفزازات حلف الناتو التوسعية بفتح الباب أمام أوكرانيا للانضمام للحلف منذ عام 2008 وتهديد الأمن القومي الروسي، والاعتراض الأمريكي على خط “نورد ستريم 2” الروسي الذي سيمد ألمانيا بالغاز مباشرة، واعتراض روسيا على حصار الناتو لها بمعاملها البيولوجية والجرثومية ومنها ما يقارب عشرين معملا في أوكرانيا، تظل هناك زاوية حرجة أخرى في ما تواجهه روسيا من تحدي غربي في أوكرانيا.
هذه الزاوية التي تستوطن الجانب المظلم في الموضوع تكمن في عامل السيطرة على مراقد المعادن حول العالم، لدعم الحراك المتطرف الغربي في خدمة ملف المناخ ومحاربة مصادر الطاقة الأحفوري، والسيطرة على أكبر مخزونات من المعادن الحرجة في إنتاج أدوات الطاقة النظيفة (بالتعريف الأوروبي والمتجددة بالتعريف الأمريكي)، لذلك الغرب مصمم على الاستحواذ على أوكرانيا الغنية بالمعادن وبأي شكل.
أوكرانيا ذات المخزون البشري المتعلم تعليما عاليا والمورد الأول للمهاجرين اليهود القوقاز إلى فلسطين، تتصدر قائمة الدول ذات مخزونات يورانيوم مستردة، وتعتبر الثانية عالميا في إنتاج معدن الغالبون النادر والمستخدم في الموازين الحرارية ذات الاستخدامات الخاصة والمتقدمة في الإليكترونيات وأشباه الموصلات، والخامسة في إنتاج الجرمانيوم المستخدم في بطاريات الطاقة الشمسية وأجهزة الاتصالات اللاسلكية، والسادسة في إنتاج التيتانيوم الذي يدخل في عدة صناعات خاصة الطبية والعسكرية.
كما أنها تحتل المركز الثامن في إنتاج المنجنيز المستخدم في تقوية الفلزات وصناعة الفولاذ ويدخل في صناعة الأدوات الإليكترونية، هذا بالإضافة أنها تقود – مع روسيا – إنتاج النيكل والحديد والنحاس والنيون والبلاديوم والبلاتنيوم بلتين والزئبق، وبها أيضا مخزون كبير من الغاز الطبيعي، إضافة لكونها سادس أكبر منتج للقمح والتي تصدر أكثر من 40% منه إلى الدول العربية، وما هذا إلى جزء من ثرواتها المعدنية والزراعية والبشرية الغزيرة.
نزاع الغرب مع روسيا – وإن كان ادعائه دائما أنه غير صحيح – هو نزاع سيطرة ووجودي ولن يتوقف، وهذا يفسر جديًّة موقف روسيا ذو المرجعية السيادية التاريخية في أوكرانيا دون غيرها من دول الاتحاد السوفيتي السابق التي سمح لها بالانضمام لحلف الناتو مثل دول البلطيق (ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا)، فالقاعدة تقول أن ما يذهب لا يعود، وروسيا كدولة تمتلك غذاءها ودواءها إضافة لسلاحها وجيشها فتملكت قرارها، لا تتباكى على أبواب هيئة الأمم عندما تلامس النار أقدامها.
ويبقى السؤال هو ماذا يضمر الغرب – الذي لا يملك ما يتطلبه المستقبل من موارد سيطرة وثروات تشغيلية – لروسيا التي قررت أن تدافع و بضراوة عن مصالحها فيما يتعلق بنفطها وغازها ومعادنها وسيادتها التاريخية وأمنها في قابل الأيام؟.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال