الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعَدُّ إدارة المشاريع الاستثمارية من الأمور المعقَّدة؛ لأنها تحتاج إلى فَرَاسَةٍ في معالجة الاحتمالات المستقبلية قبل اتِّخاذ أيِّ قرارٍ إداريٍّ يؤثِّر على رأس مال المشروع ومستقبله ومركزه المالي.
هذا في الأوقات الطبيعية لنشاط المشروع، أمَّا خلال الأزمات، فإنَّ العمليات التشغيلية قد تمرُّ بحالة تعثُّرٍ ماليٍّ يجعل من إدارة النشاط أمراً أكثر صعوبة من حيث تقدير القرار الإداري السليم.
والسبب هو أنَّ المشروع التي يُعاني من التعثُّر لا يحتاج فقط إلى إدارة استثمارٍ، بل إلى خلية أزمةٍ؛ بحيث يكون الهدف من القرار الإداري محاولة تقليص الخسائر، وتحسين سمعة المشروع، وضغط المخاطر المالية التي تحيط به؛ كلُّ ذلك على أمل استعادة المشروع لربحيَّته، ومركزه المالي القوي.
بناءً عليه، فإنَّ إدارة المشروع خلال مرحلة تطبيق إجراءات التعثُّر المالي، تُعتَبَر من أكثر الممارسات الإدارية خطورةً وصعوبةً، بحيث تحتاج إلى إدارةٍ قادرةٍ على تحمُّل الضغوط، والسير في مخطط تجاوز الأزمة.
ووفق نظام الإفلاس، فإنَّ عملية إدارة الأزمة لم تكنْ سيان بالنظر إلى اختلاف طبيعة الإجراء؛
* التسوية الوقائية: يقوم المدين ذاتُهُ (مالك المشروع المدين أو إدارة الشركة المدينة) بإدارة النشاط بالاستناد على حكم محكمة الإفلاس بافتتاح إجراءات التسوية، ثم تحكم المحكمة بانتهاء هذه الإجراءات، وهكذا تعود الأمور إلى طبيعتها إذا تبيَّن لها أنَّ المدين قد نفَّذ خطة التسوية كما أقرَّتها المحكمة (م/39-أ)، وإلاَّ فإنَّ خَطَرَ الإفلاس يكون مُحدِقَاً بالمدين.
* إعادة التنظيم المالي: يكون دور الإشراف من اختصاص أمين الإفلاس الذي تُعيِّنه المحكمة (م/50-1) بحيث يكون اسمه مُسجَّلاً لائحة تمسكها لجنة الإفلاس (م/9-2-ب، م/9-2-ج)، وهذا يعني أنَّ إدارة التنظيم المالي سيتصدَّى لها المدين مثل حالة التسوية، لكن يختلف إعادة التنظيم المالي في أنَّ شخصٌ خبيرٌ -وهو الأمين- سيشرف على الأمين وليس المحكمة، وهذا بالضبط ما أراده نظام الإفلاس.
وإذا تعمَّقنا في قواعد إدارة عملية إعادة التنظيم المالي، وجدنا أنَّ الأمين يملِكُ خلال هذه الإجراءات الإشراف: “على نشاط المدين خلال فترة إجراء إعادة التنظيم المالي للتحقُّق من عدالة الإجراء وتنفيذ الخطَّة على الوجه المُحدَّد بما يضمن سرعة الأداء وتوفير الحماية اللازمة لمصالح المتأثرين بالإجراء” (م/57).
وهكذا، لا يكون الأمين هو المدير لعملية إعادة التنظيم، بل يكون المدين نفسه هو ذاك المدير، لكن تحت إشراف الأمين؛ وذلك في المحاور التالية:
1- تنفيذ الخطَّة كما اعتمدَتْهَا محكمة الإفلاس بدقَّةٍ.
2- عدالة الإجراء، أي حسن النية والعدالة لدى تنفيذ الخطَّة.
3- سرعة الأداء، حيث إنَّ إدارة الأزمة تتطلَّب ليس فقط الدقَّة، بل تجاوُزَ آثار الأزمة قبل استِفحَالِهَا واستِحَالَةِ تنظيم الأمور مالياً في المشروع المتعثِّر.
4- حماية المتأثرين بإجراء إعادة الهيكلة؛ وهم الدائنون، ومُلَّاك المشروع، كالمساهمين في شركات المساهمة.
أكثر من ذلك، فإنَّ نظام الإفلاس قد مَنَحَ المحكمة صلاحية تعيين قاضي للإشراف على إجراءات إعادة التنظيم المالي (م/53)؛ وذلك إمعاناً في الحرص على نجاح الخطَّة قبل أن يُصبِحَ المشروع قاب قوسَيْن أو أدنى من التصفية.
* التصفية: لقد نظر نظام الإفلاس إلى إجراء التصفية بمنظورٍ أكثر صرامةٍ بكثيرٍ من إجراءات التسوية وإعادة التنظيم المالي، والسبب أنَّ التصفية تعني أنَّ المشروع قد فَشِلَ عملياً، وأصبح احتمالُ ضياعِ حقوق الدائنين والملاَّك أكبر في ظلِّ تَضَاعُفِ الضغط على المدين.
بناءً عليه، فقد أقرَّ النظام ما يلي:
1- غلَّ يد المدين عن إدارة المشروع بمجرَّد إعلان محكمة الإفلاس للبدء بإجراءات التصفية (م/100-1).
2- حلول الأمين محل المدين في الإدارة (م/100-2)؛ أي أنَّ الأمين سيلعب دور البطولة في التصفية، وهكذا يتمُّ عزل الأمين عن أيِّ ممارسةٍ لإدارة أمواله.
وهذا يعني أنَّ على الأمين إدارة نشاط المدين والوفاء بالتزامات المدين خلال التصفية، لكن اعتبر نظام الإفلاس أنَّ الأمين لا يُسألُ شخصياً في مواجهة الغير عن التصرُّفات التي يُجرِيهَا بصفَتِهِ مديراً لعملية التصفية لدى حلوله محل المدين (نفس المادة).
* التصفية الإدارية: وهي الحالة التي تقوم إذا لم يكنْ من المُتَوَقَّعِ أن تكفي أموال المدين لتنفيذ إجراءات التصفية (م/1 التعريفات)، عندها يتمُّ تعيين لجنة الإفلاس كمدير لإجراءات التصفية الإدارية تلك، بالحلول محل المدين، ودون أن تُسألُ اللجنة عن التصرُّفات التي تُجرِيهَا بصفتها مديراً لعملية التصفية الإدارية لدى حلُولِهَا محل المدين (م/171-1+2+3).
وبالنَّظر إلى مجموع القواعد السابقة، نقترح ما يلي:
1- منح أمين التفليسة صلاحية الإشراف على تنفيذ إجراءات التسوية الوقائية.
2- اعتبار الأمين هو مدير عملية إعادة التنظيم، بدلاً عن المدين نفسه؛ أي أن يَحِل الأمين مَحَل المدين في إعادة التنظيم مثلما عليه الأمر في التصفية؛ وذلك بالنظر إلى خطورة آثار هذه الإجراءات على إنقاذ المشروع ومصيره بشكلٍ عامٍّ.
3- تعيين قاضٍ مُشرفٍ على الأمين خلال تطبيق إجراءات إعادة التنظيم بشكلٍ دائمٍ.
4- وضع قواعدٍ تفصيليةٍ لعدم مسؤولية الأمين الشخصية عن حلوله محل المدين خلال التصفية العادية -والأمر ذاتُهُ بالنسبة للجنة الإفلاس التي تحل محل المدين خلال التصفية الإدارية-، كالتالي:
أ- اعتبار الشخص الذي يحل محل المدين غير مسؤول مبدئياً بأمواله الشخصية عن الأخطاء الإدارية، باستثناء إثبات وقائع احتيال أو تزوير أو أية جرائم مالية بحق الأمين أو لجنة الإفلاس.
ب- مساءلة الشخص الذي يحل محل المدين عن أخطائه المهنية بالإدارة في حالة قيامِهِ بخطأٍ مهنيٍّ جسيمٍ لا يمكن أن يرتَكِبُهُ أيُّ أمينٍ مختصٍّ آخر في مكانه إذا بَذَلَ جهداً معقولاً بالنظر إلى تخصُّصه العلمي وخبرته العملية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال