الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشهد العالم تطورات اقتصادية ونفطية وجيوسياسية متسارعة يتطلب تحليلها وفهم تداعياتها توفر منظومة إعلامية قادرة على التعامل الموضوعي والفعًال مع سرعة انتشار المعلومات والأخبار، وبشكل منسجم مع النقلة النوعية في وسائل التواصل الحديثة. من هنا تبرز أهمية الإعلام الاقتصادي وبالذات الإعلام النفطي للدول النفطية لتوظيف المعلومات بشكل سليم وتجنب استخدامها بشكل مغلوط من قِبل جهات مختلفة بما يخدم مصالحها.
الإعلام النفطي ليس مجرد نقل الخبر عن سوق النفط، او تحليل تطوراته بمعزل عن الاطار العام للحدث، بل إن مجاله أكثر إتساعاً حيث ينبغي أن يتضمن بناء محتوى ثري تقدمه مؤسسات إعلامية. وبالتالي يصبح من الممكن أن يكون لهذا الاعلام المتخصص القدرة على تغطية القضايا ذات العلاقة باحترافية، ونشر المعرفة والمعلومة الصحيحة بكفاءة.
وبناءً على ذلك فان الاعلام النفطي يُعد محصلة علاقة تكاملية بين الإعلاميين والاقتصاديين، و المهندسين المتخصصين في نشاطات قطاع النفط، حيث أن هناك جوانب تقنية مثل؛ أنواع النفط ومشتقاته ووسائل إنتاجه وسواها من العمليات الاستكشافية والإنتاجية. هذا المتطلب يشكل تحدياً كبيراً فواقع الإعلام النفطي لا زال ينقصه هذا التكامل، حيث أغلب المشاركين في الاعلام النفطي يعتمدون على مبادراتهم الشخصية وليسوا مرتبطين بمؤسسات فكر او إعلام تقدم مادة مدروسة تخاطب فيها الجمهور المحلي والأجنبي. مع استمرار التحديات التي تواجه التعامل الإعلامي مع قضايا الطاقة في الدول النفطية أصبح من الضروري الاستثمار في هذا الإعلام المتخصص وذلك لأهميته الاستراتيجية، والتي ظهرت سابقاً في عدد من الاحداث المهمة، ولنا معها الوقفات الثلاث التالية:
الوقفة الأولى مع التجاهل شبه الكامل من الإعلام الغربي لإنشاء منظمة أوبك عام 1960م والذي تغير تماماً بعد عقد فقط من الزمان، وتحول لشيطنتها والتهجم على دولها من خلال صور مضللة ورسوم محرضة للرأي العام، مع تشكيك بمشروعية مبررات قيام المنظمة، والتي كان أبرزها وقف تدهور أسعار النفط واستنزافه من قبل الشركات الغربية التي استغلت اتفاقيات الامتيازات المٌجحفة. في المقابل كان الاعلام العربي حينئذ تنقصه القدرة والمعرفة المتخصصة للدفاع عن مصالح دولة بشكل علمي خصوصاً وأن الاعلام الغربي عمل على تقديم أوبك على انها منظمة عربية تتحمل مسؤولية تخفيض الإنتاج وفرضت “الحظر النفطي” الذي تلاه، رغم أن أغلب الأعضاء فيها ليسوا عرب كما أنه ليس كل الدول العربية شاركت فعلاً في الحظر.
الوقفة الثانية تتمثل في مدى قدرة الإعلام النفطي في دول أوبك على تقديم الحجج المقنعة والمستندة على حيثيات موضوعية لمحاولة المنظمة إدارة السوق النفطية بهدف تحقيق استقرار الأسعار مما يسهل للحكومات النفطية وضع موازناتها ورسم خططها التنموية وفق عائد معقول ومجز لنفطها، والذي لا يتصادم بالضرورة مع أهداف المستهلكين ومصالحهم. هذه التوجهات يسندها مبررات بسيطة ولكنها مهمة، مثل التأكيد على عدم ملائمة نموذج المنافسة لتسعير الموارد الناضبة لعدم احتسابه علاوة النضوب، وكذلك تدهور معدل التبادل التجاري للدول النفطية الذي يُعد سبب كاف لمطالبتها بسعر أفضل لبرميل النفط.
الوقفة الثالثة تتمثل في تطور الطرح الإعلامي النفطي في المملكة العربية السعودية من خلال تقديم وجهة نظر مبنية على أدلة من الواقع يقدمها في وسائل التواصل عدد من المختصين، اقتصاديين و مهندسي نفط ذوي خبرة وممارسة. ومن هنا نجد أن هذا التطور تمثل بالرد على التهم الموجهة لمنظمة أوبك +، و للسعودية تحديداً بعدم بذلها ما يكفي للتخفيف من أزمة الغاز التي حدثت في أوروبا خريف 2021م والتي تعد في حقيقتها أزمة وقود في قطاع الكهرباء هناك وليس للنفط صلة بها، حيث أن القطاع توقف عن استخدام النفط منذ سبعينات القرن الماضي. هذه التهم تجددت مع اندلاع النزاع الروسي الأوكراني وما نشهد من قفزة حادة في أسعار النفط والغاز، ولكن الموقف السعودي أيضاً كان واضح في تأكيده على الالتزام باتفاقات تحالف أوبك +، خصوصاً كما بين عدد من المحللين في وسائل الإعلام السعودي أن قفزة الأسعار ناتجة من أزمة جيوسياسية في أوروبا ولا تفسرها أساسيات السوق حالياً.
مما سبق، يمكن استخلاص عدد من الدروس التي يمكن أن تُسهم مستقبلاً في فاعلية الإعلام النفطي، وتتمثل في تبني عدة إجراءات لعل أهمها:
أولاً، نشر الثقافة النفطية (والاقتصادية) لدى عموم الجمهور ولدى القائمين على تحرير وبناء المحتوى في مؤسسات الاعلام التقليدي والجديد.
ثانياً، تعميق العلاقة بين الاعلاميين و الاقتصاديين والمتخصصين منهم في موضوع النفط تحديداً، بهدف إيجاد قاعدة عامة مشتركة.
وثالثاً، توفير دورات وورش عمل وشهادات علمية ومهنية تقدمها الجامعات والمعاهد، في سبيل توفير المعرفة والمهارات المطلوبة وبناء كوادر وطنية متخصصة في الإعلام الاقتصادي والنفطي.
وفي الختام، يجدر التنبيه إلى أنه مع بروز الإعلام الجديد وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الحاجة ماسة لتقديم مادة إعلامية توفر تحليلاً عميقاً للقضايا المستجدة والتي تحتاج تكاملاً بين تخصصات متنوعة. وحيث أن النفط وقضاياه تهم أطراف مختلفة في العالم فإن الأمر يحتاج طرحاً قائماً على الحجج والبراهين، ويقدمه إعلام متخصص تتوفر لديه الأدوات والمنصات والمؤهلين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال