الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
القضاء على الفقر هو أحد الأهداف الرئيسية للتنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة ضمن 17 هدفاً لتحقيقها في عام 2030. ومع هذا الحراك الدولي وما احدثه في العالم من اهتمام كبير بالقضاء على الفقر إلا أنه لا يزال كحلم بعيد عن التحقق فالأشخاص الأشد فقراً في العالم لا يزال عددهم يتجاوز 700 مليون انسان في هذا العالم، وهناك قرآبة أكثر من ( نصف) سكان هذا الكوكب لا يتاح لهم الارتباط بشبكة الانترنت.
ولكن في المقابل هناك بعض الدول استطاعت خلال السنوات الماضية رفع عدد لا يستهان به من فئة الفقراء الى الفئة المتوسطة الدخل مثل الهند واندونيسيا على سبيل المثال. كيف استطاعوا فعل ذلك وماذا فعلوا بالتحديد؟ .. ببساطة إنه البابُ السحري لمفهوم “الحماية الإجتماعية” بحلته الرقمية الجديدة. ولكن قبل أن نتحدث عن كيف يمكن للرقمنة القضاء على الفقر، لا بد أن نلقي بعض الضوء على ملامح الحماية الاجتماعية لدينا:
1- الوظيفة الحكومية كشبكة حماية اجتماعية آمنة
عملت الوظيفة الحكومية لعقود طويلة كخط دفاع أول للحماية الاجتماعية من الفقر، بل أن مقولة “وظيفة في اليد أمانٌ من الفقر” يقصد بها غالباً الوظيفة الحكومية. وسبب ذلك أن الوظيفة الحكومية تضمن دخلاً مستقراً و شبه دائم ولا يتأثر بتقلبات السوق والربح والخسارة بل إن إحتمالية الفصل من الوظيفة تكاد تكون شبه معدوة حتى لو كان مستوى الإنتاجية للموظف ضعيف جدا. على مستوى العالم: الوظيفة الحكومية ليست هي شبكة الحماية الاجتماعية، شبكة الحماية الاجتماعية هي شبكة دعم حكومي لغير القادرين عن الكسب لظروفهم او ظروف السوق، وهي اشبه ما تكون لدينا بما يعرف بالضمان الاجتماعي، ولكن بآليات مختلفة.
2- التوزيع غير المؤثر اقتصاديا لعوائد التبرعات
تدار الجمعيات الخيرية غالباً من قبل افراد يتطوعون او تكون دوافع الخير لديهم عالية بغض النظر عن قدراتهم الإدارية. بل ان الملاحظ العام على الاسلوب الإداري هو “ضعف تطوير القدرات الإدارية” مصحوباً بضعف في هيكلية الرواتب والاستقطاب، بالإضافة الى ضعف عام في القدرات التقنية، ولا سيما في التقنيات الناشئة. هذه الإدارة التقليدية نتج عنها توزيع تقديري للتبرعات غير موجه و غير قابل للقياس اقتصاديا، أي أنه رغم كثرته غير مؤثر لتخفيض مستوى الفقر على مستويات الاقتصاد الكلي، وهذه ايضاً فرصة لكبار التنفيذين في القطاعين العام والخاص وللمتقاعدين للتفكير بالبدء بالتطوع الإحترافي لمساعدة منظمات القطاع غير الربحي في المجالات الإدارية والتقنية المختلفة. المنصة الوطنية للتطوع تيسر ذلك بكل سهولة.
3- فقدان الثقة المجتمعية في تحقيق أثر التبرعات
نتج عن الإدارة التقليدية في الكثير من الجمعيات الخيرية، ممارسات إدارية خاطئة يتابعها المتلقي مثل زيادة الإنفاق على المجالات الإدارية، تعثر المشاريع، ضعف جودة المخرجات، الانفاق غير المبرر، جنوح بعض مسؤوليها للسعي وراء المكانة الإجتماعية مما خلق شعوراً عاماً بعدم الثقة بالاستخدام الأمثل لمال المتبرع، وتبع ذلك حالة عامة من تدني الثقة لدى المتبرعين و الإحجام و عدم الاهتمام بالتبرع لصالح هذه الجمعيات بل والدعاية المجتمعية لذلك. مما أضر ببعض الجمعيات الناجحة والمتميزة.
4- الاستهداف غير الدقيق للمستحقين للدعم
من الادوار المهمة للجمعيات الخيرية هي الوصول لمستحقين الدعم، والبحث عنهم وتحمل الصعاب في سبيل المساعدة لتحديد المحتاج الحقيقي من غير الحقيقي. وهي مهمة بدون البيانات والرقمنة تبدو بالغة الصعوبة بل تكاد تكون شبه مستحيلة. وإن كانت بعض الدول الافريقية قد نجحت في استخدام نظام الدوائر الاجتماعية ( اشبه بنظام الأسر والقبائل) في تحقيق بعض التقدم ولكنه تقدم ضعيف وحسب امكانياتهم المحدودة.
اذا كانت هذه بعض ملامح واقعنا في حماية المجتمع من آفة الفقر، فان التقنية ببساطة تستطيع حل الكثير من هذه الاشكاليات وهذه بعض المقترحات التي ربما قد تستحق المزيد من الدراسة والعناية:
أولاً – استعادة ثقة المتبرعين رقمياً
قدمت منصات “فرجت” و “إحسان” و “تبرع” بالإضافة إلى المنصات المتخصصة مثل “جود الإسكان” وغيرها من المنصات الحكومية، ثورة حقيقية في مجال استقطاب وإدارة التبرعات وثقة المتبرعين. فهي تقدم بيانات حكومية موثوقة، وآليات دفع واضحة، مع أثر مباشر يمكن قياسه. فمنصة فرجت مثلاً تقدم بيانات المسجونين بسبب قضايا مالية، وفي حال التبرع لهم فورا يتم اطلاق سراحهم. ومنصة جود الاسكان أعادت عمل الجمعيات للدور الحقيقي وهو الإستهداف وتولت هي حوكمة توزيع الاموال في شراء المساكن للفئات الأشد فقراً بدون تأخير. بمجرد كسب ثقة المتبرعين انهالت التبرعات على هذه المنصات دون سواها. وجود مؤسسات الدولة كضامن لتحقيق أثر التبرع له أكبر الأثر في تنامي التبرعات وتدفقها من شعب كريم ومعطاء.
– التحول الى البنوك الرقمية غير الربحية
تمثل المبالغ النقدية وتحصيلها وتوزيعها من قبل الجمعيات معضلة حقيقة في مجال الحوكمة، وضمان سلامة استلام وتوزيع هذه المبالغ في ظل وجود مناسبات وقتيه تصعب حوكمتها مثل “إفطار صائم” و “سقيا الحاج”، حيث يلعب عامل الوقت في الرقابة دورا مهما، فإن تأخر المراقب فلن يعرف ابدا بعد رمضان عن الصائم المستهدف هل تم تفطيره أم لا و بعد موسم الحج لن يستطيع التحقق عن ذلك الحاج الذي ارتوى وذلك الذي لم تتم سُقيته. بدون الإدارة المالية البنكية الرقمية يصعب حصر وتتبع التبرعات، مع التقنيات الناشئة يمكنك معرفة ماذا يحدث لتبرعك ومدى سرعة وصوله لمستحقه، والأثر الذي احدثته. ويمكن ربط المناسبات الوقتية بمنصات المشتريات والمواقع الجغرافية ومنصات التوصيل بكل بساطة. إن زكاة الفطر لوحدها (تقدر بأكثر من 60 الف طن من الأرز) ربما تكون كافية لتغذية كل الفقراء في المملكة لمدة عام كامل لو وزعت عبر شبكة امدادات خاصة بالقطاع غير الربحي مرقمنة بالكامل.
– رفع مشاركة القطاع الربحي في منظومة الحماية الاجتماعية
معادلة الحماية الإجتماعية، سهلة و واضحة للغاية، هناك خط فقر يجب حسابه وتوفر الجهات الداعمة كل الوسائل لتمكين المحتاجين من تجاوزه بنسبة مئوية محددة لتصل الى ما يعرف بحد الكفاية وهي نسبة مختلفة من دولة الى اخرى. ويشمل ذلك الدعم المالي المباشر، التبرعات الحالية غير مرتبطة لا بحد الفقر و لاحد الكفاية. اي أنها تعمل بشكل مستقل لوحدها. ولذلك هناك أهمية للتكامل بين المبادرات القائمة مثل حساب المواطن والجمعيات الخيرية، بحيث تسهم الدولة بجزء من اموال الضمان الاجتماعي وتسهم الجمعيات بالجزء الباقي، وبمجرد وصول هذا التبرع المشترك لأي فرد الى حد الكفاية، ينتقل التبرع للشخص الذي يليه مباشرة آليا بدون حتى أن يطلب المحتاج ذلك وهكذا .. بدون زيادة ولا نقصان. الرقمنة تمكننا من فعل ذلك بكل سهولة وشفافية و مصداقية..
وختاماً: لابد من الإشادة بالجهود التي تبذلها الجهات الحكومية المعنية، في ظل الدعم اللامحدود من قبل القيادة الرشيدة، وفي ظل رؤية المملكة 2030، فهذه مدينة “مسك” الإنسانية والتي ستكون قلباً نابضاً للخير من أرض الخير ولأهل الخير في كل مكان، تعلن وتنطلق من مملكة الانسانية للعالم .. والخير من هذه البلاد المباركة لم ولن ينقطع .. واظن ان القطاع غير الربحي في المملكة مقبل على مرحلة نمو الى آفاق غير مسبوقة. والله أعلم،،
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال