الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الجزءِ الأولِ منْ هذا المقالِ (الرابطَ فضلا اضغط هنا ) تحدثتُ عنْ الندباتِ التي أحدثتها أزمتيْ كورونا والحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ في الاقتصادِ العالميِ والتي وضعتْ الأسواق العالمية في وتيرةِ الارتباكِ والتوترِ حتى أنَ الارتفاعَ المرعبَ للمعادنِ ألقى بظلالهِ ليشهدَ سباقا لا يزالُ محموما عندَ أعلى الأرقامِ القياسيةِ الغيرَ مسبوقةٍ ، وعلى الرغمِ منْ صعوبةِ التنبؤِ بالمشهدِ الاقتصاديِ القادمِ إلا أنَ العقوباتِ الاقتصاديةَ شهدتْ معَ بدايةِ الأزمةِ إعادةَ نظرٍ في جانبِ التبادلاتِ التجاريةِ بينَ روسيا والدولِ الأوروبيةِ مما شكلَ منعطفا لمْ تحددْ بعدُ اتجاهاتهِ المستقبليةِ وخاصةً في مجالِ الطاقةِ والسلعِ الأساسيةِ والخدماتِ التي ترتبطُ بهما لكنْ في المجملِ يبدو أنهُ حتى الآنَ حتى لمٍ يوقفُ بوتينْ صادراتِ بلادهِ منْ الطاقةِ لأوروبا وقيدَ ذلكَ بنظامِ الدفعِ بعملةِ الروبل الروسيةِ ، كما ان الجانبُ الغربيُ أبعدَ عقوباتهِ عنْ ميدانِ الطاقةِ الروسيةِ إضافةً إلى استمرارِ ضخِ روسيا لصادرتها منْ القمحِ والسلعِ الأخرى دونَ توقفٍ بالرغمِ منْ تزايدِ قلقِ تجارِ السلعِ الأساسيةِ ومديري المشترياتِ بشأنِ الطريقةِ التي يمكنُ بها استخدامُ الكثيرِ منْ الموادِ الخامُ كأسلحةٍ للسياسةِ الخارجيةِ .
تواصلُ المؤسساتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ العالميةِ بنشرِ ودعمِ الحلولِ الممكنةِ لتجنيبِ الاقتصادِ العالميِ أيْ قصورٍ قدْ يحدثُ انعكاسا منْ هذهِ الأزمةِ ومنْ ذلكَ فتحُ المفاوضاتِ ومعالجةِ تركيبةِ خللِ الإنتاجِ للحيلولةِ دونَ توقفهِ وخاصةً في مجالِ الطاقةِ والسلعِ الزراعيةِ حيثُ أعلنَ البنكُ الدوليُ مؤخرا بأنَ الحربَ قفزتْ بأسعارِ السلعِ الزراعيةِ إلى 35 % معَ مخاوفَ منْ تفاقمِ الأمنِ الغذائيِ والركودِ. في المقابلِ ألقتْ الحربُ بينَ روسيا وأوكرانيا بظلالها على الاجتماعِ الذي عقدهُ البنكُ المركزيُ الأوروبيُ حيثُ أقرَ خلالهُ منهجا يميلُ كثيرا إلى المرونةِ في جانبِ الاستراتيجياتِ النقديةِ والإبقاءِ على مستوى الفائدةِ الصفريةِ وخفضِ أسرعَ لمشترياتِ السنداتِ ، هذهِ المعالجاتِ تهدفُ بالمقامِ الأولِ إلى تجنيبِ النظامِ الماليِ العالميِ أيَ تهديدٍ بيدِ أنَ الآثارَ المتوقعةَ ستؤثرُ على معدلي التضخمِ والنموِ العالميينَ نتيجةَ لارتفاعِ تكاليفِ عنصرِ العملِ والمواردِ الطبيعيةِ ( الزراعةُ والمعادنُ والطاقةُ ) والخدماتُ التي ترتبطُ بهما كسلاسل التوريدِ حيثُ تشيرُ بعضَ المصادرِ إلى أنَ معدلَ التضخمِ العالميِ هذا العامِ سيتجاوزُ 6 % ، وخاصةً في الدولِ الكبرى ناهيكَ عما سيلحقهُ ما سبقَ ذلكَ منْ ارتباكٍ في معدلاتِ النموِ الاقتصاديِ العالميِ .
لا شك بأنَ تداعياتِ هذا النزاعِ قدْ بدأتْ تتركُ أثرا كبيرا على مختلفِ قطاعاتِ الأسواقِ العالميةِ حيثُ تشيرُ التقاريرُ إلى تأثرِ سوقِ قطعَ الغيارِ والمعادنِ والموادِ الأساسيةِ في صناعةِ السياراتِ عالميا حيثُ إنَ روسيا على وجهِ الخصوصِ تمتلكُ قدراتٍ كبيرةً في نشاطِ الموادِ الأولويةِ لهذهِ الصناعةِ كما أنَ أوكرانيا تمتلكُ أهمَ مكوناتِ صناعةِ السياراتِ في أوروبا مثلٍ الكابلاتِ الكهربائيةِ ( الضفيرةُ ) مما عزا وفقَ تقاريرَ صحفيةٍ كلٌ منْ ” بي إمْ دبليو ” و ” فولكسفاجنْ ” بإيقافِ العملِ في مصانعهما في أوروبا بعدَ أنْ أسفرتْ الحربُ عنْ إغلاقِ مصانعِ الأسلاكِ الأوكرانيةِ حيثُ يوجدُ بها أكثرُ منْ 40 مصنعا لقطعِ الغيارِ لاتزالُ عرضةً للإغلاقِ ، وتشيرَ تقاريرُ صندوقِ النقدِ الدوليِ عنْ توقعاتهِ بانكماشِ إجماليِ الناتجِ المحليِ الأوكرانيِ إلى نحوِ 10 % على الأقلِ في 2022 فيما تقدرُ خسائرَ تكاليفِ البنيةِ التحتيةِ إلى حدودِ 100 مليارِ دولارٍ .
في الأزماتِ دائما ما يكونُ الشغلُ الشاغلُ للعالمِ هوَ الأمنُ الغذائيُ ولطالما تتمتعُ الدولُ الذكيةُ بقدراتٍ عاليةٍ على تعزيزِ هذهِ المنظومةِ في بعدها الإنتاجيِ أوْ احتياطاتها الاستراتيجيةِ منْ الغذاءِ فهذهِ الأزمةُ أيضا قدْ ألقتْ بظلالها على إمداداتِ الغذاءِ وقالتْ منظمةُ الأغذيةِ والزراعةِ ” الفاوْ ” ( بأنَ هناكَ ارتفاعا عاليا وجديدا في مؤشرِ أسعارِ الغذاءِ ليصلَ إلى 1.24 نقطةٍ أيْ ما يقاربُ 7.20 % مقارنةً بالعامِ الماضي ) وهوَ ما يشيرُ إلى ارتباطاتٍ واسعةٍ ومعقدةٍ بينَ الحربِ والتضخمِ العالميِ وارتفاعِ تكاليفِ الإنتاجِ ناهيكَ عنْ مشاكلِ سلاسلِ الإمدادِ .
مجملُ القولِ : دائما ما تكونُ تداعياتُ الأزماتِ قصيرةً الأجلِ كالأثرِ الوقتيِ للسياساتِ والبياناتِ الصحفيةِ فيما يغلبُ على الاثار طويلة الأجلِ التداعيات المتوقعة في هيكلِ أيِ اقتصادٍ كليٍ ومدى التأثيرِ الذي يحدثهُ عندما يكونُ أكثرَ فاعليةً في الاقتصادِ العالميِ وعادةُ ما تكونُ في النتائجِ الفعليةِ ، لذلكَ يواجهُ الاقتصادُ العالميُ الذي ما كادَ ليبدأ مرحلةَ التعافي منْ جائحةِ كورونا حتى انتقلَ إلى تداعياتِ الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ كحالةٍ منْ ( عدمُ اليقينِ في نسختها الثانيةِ ) ومنْ الصعوبةِ بمكانِ أنْ نتحدثَ عنْ محدوديةِ هذهِ الأزمةِ فقائمةُ الخسائرِ ستكونُ واسعةً لكنْ يعولُ كثيرا على نجاحِ المفاوضاتِ التي ستجنبُ العالمَ الكثيرَ منْ الإشكالاتِ الاقتصاديةِ مما يعني ان حالة عدم اليقين لن تتضح في الوقت الراهن في حالة التأثير ما بين الركود السابق الذي استمر لعام ونصف وبين الانكماش المتوقع تباعا ، كما أنهُ منْ الأهميةِ بمكانٍ بعدَ تجاوزِ مثلٍ هذهِ الأزماتِ النظرِ جديا إلى وضعِ خارطةِ طريقٍ عالميةٍ نحوَ نظامٍ اقتصاديٍ عالميٍ أكثرِ استجابةٍ للمتغيراتِ بقدراتٍ عاليةٍ لتجنبه أي مخاطر قادمة معَ التركيزِ على مستقبلِ التطورِ التقنيِ الذي يدعمُ ويساندُ الأنظمةَ الاقتصاديةَ في كلِ اتجاهٍ .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال