الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشهد قطاع الموارد الطبيعية تغيرات جذرية وطفرة نوعية في المشاريع بشكل عام. في هذا السياق، في مجال الطاقة المتجددة، قام بنك التنمية الأفريقي بتمويل مشاريع مثل مبادرة تهدف إلى تصدير الطاقة الحرارية الشمسية من تونس إلى أوروبا ومشاريع استخدام الطاقة المتواجدة من الرياح والطاقة الحرارية الأرضية في كينيا والمعروف بمشروع توركانا للرياح ومحطة مينينجاي للطاقة الحرارية الأرضية. هذه الطفرة في استخدام الموارد الطبيعة لها حسنات لا تعد ولا تحصى. مثلا، وجد الباحثون أن كمية الطاقة النظيفة الجديدة المنتجة في 55 دولة نامية (بما في ذلك الصين) نمت بمعدل 19٪ سنويًا منذ عام 2008 الى 2014، مقارنة بـ 13٪ بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال نفس الإطار الزمني. وهذا يعني أن دعم المشاريع والاختراعات في مجال المحافظة على البيئة و الموارد الطبيعية مهم. لكن، نظرا لأن المشاريع الحديثة المرتبطة بالموارد الطبيعية والبيئة تعتبر من أضخم المشاريع التي يُنفق عليها مبالغ طائلة، سواء من قبل الدول، او المنظمات الدولية، أو حتى القطاع الخاص، فهي تعتبر من أكثر القطاعات التي تتعرض للفساد ولا يتم اكتشافه إلا بعد وقوع كوارث حقيقية. وفي هذا الحين، يصبح حل المشكلة مكلف بشكل كبير، اذ ان مبالغ المشاريع تم استنزافها من دون تحقيق النتيجة المرجوة. و فوق ذلك، الكوراث تحتاج الى ميزانية اضافية لترميم ما أتلفه الفساد في مشاريع البيئة والموارد الطبيعية.
الاسباب التي تجعل الاعمال في قطاع البيئة و الموارد الطبيعية اكثر عرضة للفساد من غيرها كثيرة لا يسع للمقال أن يلم بها جميعا. ولكن من اهم الاسباب، هو ان صعوبة وتعقيد استخراج بعض أنواع الموارد الطبيعية، مما يجعله محفوفا بالمخاطر أحيانا على العاملين فيه. هذا النوع من التعقيد يعني حاجة هذه المشاريع الى مشاريع اخرى دقيقة لحل المشكلات التي تواجه عملية استخراج الموارد الطبيعية. وكلما كان تنفيذ مشروع معين أكثر تعقيدًا ، زادت صعوبة مراقبة مخاطر الفساد المرتبطة به للتخفيف من حدتها. بافتراض أن أنشطة التنقيب عن الموارد واستخراجها في المواقع البعيدة والصعبة ستشمل مشاريع أكثر تعقيدًا مما هي عليه في المناطق الجغرافية الأقل تحديًا ، فمن المحتمل أيضًا أن تصبح مخاطر الفساد المرتبطة بها أكثر صعوبة في المعالجة. كما أنه كلما ابتعدت مناطق استخراج الموارد من المراكز السكانية والمناطق الخاضعة لسيطرة الدولة الرسمية، كلما ازداد صعوبة رصد أنشطة استخراج الموارد ورصد انشطة الفساد.
كذلك، الدول التي يرتفع فيها معدل الفساد بسبب سوء الإدارة، فتجد الكثير من المستثمرين الأجانب يحبذون الاستثمار بها، والسبب هو صفقة ” مربحة للجانبين”. حيث تستفيد الشركات الأجنبية من الإدارة السيئة من خلال تأمين شروط تعاقد مواتية لها من حيث الأسعار و الشروط و المواصفات في المقابل يستفيد أصحاب المصلحة داخل الدولة، سواء كانوا موظفين عامين أو لديهم مصالح غير مباشرة، بالتواصل مع الشركات الأجنبية لتقديم التسهيلات التي تريدها لاستخراج الموارد الطبيعية مقابل امتيازات خاصة يتفق عليها الطرفين.
اضافة الى ما سبق، نعلم أن الطاقة المتجددة هي الان ما تهدف معظم الدول الى تطويره وتطبيقه في دولها نظرا لأن مشاريع الطاقة المتجددة تساعد في توفير مصادر جديدة لتوليد الطاقة والمحافظة على البيئة وتقليل العواقب الناتجة من تغير المناخ. لذلك تسمى بالسياسات الاقتصادية الخضراء اذ انه موالية للبيئة وتحافظ عليها. لكن، لاحظ الباحثون كيف أن السياسات الاقتصادية “الخضراء” ليست محصنة ضد الممارسات الفاسدة: مما يجعل للفساد يدا في تقويض تنفيذ “الأجندة الاقتصادية الخضراء”. كما انه قد تستخدم السياسات الخضراء نفسها لأغراض الفساد. على سبيل المثال، في كينيا وفي منطقة شرق أفريقيا، تستخدم السياسات الاقتصادية الخضراء على العمل الميداني بشأن التجارة غير المشروعة في منتجات الغابات، وهذا يظهر كيف أن زيادة التمويل للمبادرات الخضراء تثير بتكرار مشاكل اساسية في سوء الحوكمة للادوات التي تعمل على ادارة الاقتصاديات الخضراء التي توجد عادة في الصناعات الاستخراجية. لذلك، ومن منظور مكافحة الفساد ، يجب أن يكون الارتفاع في عدد المشاريع الخضراء مصحوبًا بدراسة جادة لمخاطر الفساد وخطوات لاعتماد تدابير التخفيف التي تتناسب مع خصائص الأنواع المختلفة من “المشاريع الخضراء”.
في الختام، مصادر الطاقة والموارد الطبيعية لها دور كبير في تغيير حياة الإنسان وجعلها أسهل وأكثر رفاهية. لكن، لكل شيء ضريبة، وضريبة الرفاهية الحديثة المعتمدة على استخدام الموارد الطبيعية، هو ارتفاع مخاطر الفساد في هذا القطاع. بالتالي، يكمن التساؤل، هل نهج محاربة الفساد في قطاع البيئة والموارد الطبيعية هو نفسه النهج الذي يطبق على مكافحة الفساد في القطاعات الأخرى. باعتقادي، هذا التساؤل بالغ الاهمية للاهتمام به، اذ ان مستقبل الإنسان يعتمد على جواب هذا السؤال.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال