الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أصدر البنك المركزي السعودي تعميمه رقم (43076917) بتاريخ 4/9/1443هـ، وموضوعه (تعليمات تعامل جهات التمويل مع السند لأمر)، وهو جهد يُشكر عليه البنك المركزي فيما يقوم به من إشراف ورقابة على الأعمال البنكية بشتى أنواعها، ولمراقبة أعمال البنوك والجهات التمويلية، وقد أكد على ذلك التعميم إذ ذكر أن غاية التعليمات؛ حرص البنك المركزي على حماية حقوق المُتعاملين في القطاع التمويلي.
و بقراءة التعميم نجد تضمنه (الإجراءات الواجب اتباعها عند توجه الجهات التمويلية للبدء بإجراءات التنفيذ على السند لأمر)، ومن ذلك (تحديد المستندات اللازمة عند التنفيذ على السند لأمر على أن تشمل – كحد أدنى – (عقد التمويل الذي بموجبه تم الحصول على السند لأمر، السند لأمر مُستحق السداد، إثبات تعثر العميل، إثبات التواصل مع العميل المُتعثر)، إلى آخر التعليمات، التي نشكر البنك المركزي عليها.
ومن واقع تخصصي في قضايا التمويل وإشكالياته وعقوده ومستنداته، رغبتُ بذكر بعضاً من إشكاليات التعامل مع السند لأمر.
وابتداءً أشير إلى إحصائيات وزارة العدل المنشورة، والتي تُبين عدد جميع طلبات التنفيذ الواردة إلى محاكم التنفيذ، وتُصنفها، وبالرجوع لإحصائية عام 1442هـ نجد أن عدد طلبات التنفيذ على السندات لأمر الواردة بجميع محاكم التنفيذ في المملكة، قد بلغت (329,146) سنداً لأمر، وهو ما يُمثل (57,5%) من جميع الطلبات الواردة لجميع محاكم التنفيذ، ويُضاف لذلك عدد (6,636) سنداً لأمر إلكترونياً، بما يُمثل (1,2%)، في حين أن جميع طلبات التنفيذ الخاصة بالشيكات عددها (6,890) شيكاً، بما يُمثل (1,2%)، وأن الطلبات الخاصة بجميع القرارات الصادرة عن اللجان القضائية عددها (9,556) قراراً، بما يُمثل (1,7%)، مع ملاحظة أن من ضمن هذه اللجان، اللجان المصرفية والتمويلية، وهي المُختصة بنظر جميع قضايا التمويل، سواء مع البنوك أو مع باقي الجهات التمويلية.
وإذا عرفنا أن غالبية السندات لأمر، إنما تُمنح في السوق لضمان التمويلات والتسهيلات الممنوحة من البنوك وشركات التمويل، (وأعتذر أنه ليس لدي إحصائية مُتوفرة عن نسبة السندات لأمر الممنوحة لجهات التمويل، من إجمالي السندات لأمر محل التنفيذ)، إلا أنني أستطيع أن أستنتج مما سبق أن حوالي (50%) من جميع طلبات التنفيذ الواردة لمحاكم التنفيذ في المملكة، تخص سندات لأمر مُنحت لجهات التمويل والبنوك.
الأمر الذي نؤكد معه على أهمية تنظيم التعامل مع السندات لأمر الممنوحة لضمان التمويلات، ومعالجة إشكالياتها، بعمق أكبر ودراسات أوسع، في سبيل حماية استقرار وتوازن السوق بين الجهات التمويلية والمُتمولين.
ولعلي باقتضاب وعلى عجل ألخص بعض عناوين هذه الإشكاليات، بالآتي:
(والله أسأل أن يعينني بالكتابة المُفصلة عن مُعالجاتها النظامية، والتوصيات بشأنها، مع الاستفادة من الأحكام القضائية ذات العلاقة، والأنظمة المقارنة).
وهنا الكلام يطول، وبخاصة أن توقيع السندات لأمر على بياض مُنتشرة في عالم التمويل، وقد يكون لذلك ما يُبرره، إذا علمنا أن كثير من أنواع التسهيلات مُحددة بسقف ائتماني، وأن ما سينتج عن عقد التسهيلات من دين في نهاية العقد غير معلوم، الأمر الذي يُبرر للبنوك والجهات التمويلية الحصول على سند لأمر على بياض، لضمان دين غير مُحدد سيحل في الذمة مُستقبلاً، وليقوم البنك بتعبئة خانة مبلغ الدين عند الحاجة لاستخدامه، وبما يتوافق مع حجم الدين ومبلغه عند المطالبة.
وقد استقر القضاء المصرفي، بالإضافة إلى التشريعات إلى نظامية التوقيع على بياض، وأن ما يُحرره المصرف (الدائن) من بيانات للسند، لا تُعد تزويراً، وأن توقيع المدين على بياض وتسليمه السند للبنك، يُعد من المدين تفويضاً للدائن بتعبئة البيانات، وقد صدر في تنظيم ذلك الأمر السامي الكريم رقم (8195/م ب) وتاريخ 13/11/1427هـ، وتعميم البنك المركزي رقم (45227) في 19/12/1427هـ.
وإننا وإذ نُقدر جميع ما سبق، فإنني أشير إلى أن الواقع العملي قد صاحبه العديد من الإشكاليات، ومنها على سبيل المثال أن البنك يُعبئ السند ويُحدد مبلغه بقراره المُنفرد، وربما أضاف إلى السند من العمولات والقيود بخلاف العقد بين الطرفين وكشوف الحساب، والأدهى أن قضاء التنفيذ لا يسمع مثل هذه المنازعة في صحة المبلغ المُحرر بالسند لأمر، ويأمر بالتنفيذ دون استماع لدفوع.
وأجزم أن ذلك يحتاج كثيراً من التنظيم، وبخاصة أن الأمر السامي المُشار إليه أعلاه، قد أكد على عدم إساءة استعمال التوقيع على بياض، وأن تعميم البنك المركزي المذكور قد أوجب على البنوك مراعاة التأكد من تعبئة جميع بيانات السندات لأمر لأن بأن تكون وفقاً لمبلغ القرض أو سقف التسهيلات، وأن القضاء يؤكد أن (الغش يُفسد كل شيء)، وأن البنك يجب أن يكون أميناً في تعبئة البيانات بلا زيادات وإلا عُدَّ خيانة أمانة.
وأنه وإن كان السند لأمر يتمتع بكفايته الذاتية، والأصل صحة المبلغ المُحرر به، وأن الدائن لا يحتاج إلى عبء إثبات أو بينة لمطالبته، إلا أن القضاء قد سمح للمدين إثبات عدم صحة المبلغ المُحرر، ونقل عبء الإثبات عليه، بدلاً من أن يكون على الدائن المدعي، وللمدين حق إثبات خلاف ظاهر السند، وأنه لا عبرة هنا لما قد يُقال أحياناً من أن (المُفرط أولى بالخسارة).
وفي هذا الصدد فإنني أدعو إلى مزيد دراسة بشأن: هل هناك فرق بين الشيك والسند لأمر؟ وبخاصة أنه يُشترط في السند التنفيذي أن يكون بحق مُحدد المقدار حالَّ الأداء، بحسب المواد (9، 27، 28) من نظام التنفيذ، ولا يخفى أن الشيك عندما يُحرر يكون لدين معلوم مُحدد حالَّ الأداء، ولذا فالأصل عدم قبول المنازعة فيه، بينما تحرير السند لأمر عندما يكون على بياضٍ أو لضمان ما سينشأ مُستقبلاً في الذمة من دين غير معلوم وغير مُحدد عند تحرير السند لأمر، الأمر الذي يحتاج إلى دراسة وقرار، هل تُقبل المُنازعة هنا بالسند لأمر الموقع على بياض؟ أم أنه مُطهرٌ من الدفوع؟ مع الإشارة إلى أنه صدرت بعض الأحكام القضائية في المملكة تؤيّد مثل هذا التوجه، ومن ذلك الحكم الصادر من المحكمة التجارية بالقضية رقم (1690) لعام 1442هـ.
وغير خافٍ توسع استخدام الجهات التمويلية للسند لأمر، ولجوئها لقضاء التنفيذ، وليس لقاضي الموضوع (سواء اللجنة المصرفية أو التمويلية)، وما يُرتب ذلك من حرمان المدين من تقديم الدفوع الخاصة بمستندات التعامل وحقيقة الدين.
إن ما سبق من إشكاليات للمُتعاملين مع السند لأمر الممنوح ضماناً لجهات التمويل، يستوجب الدراسة، في سبيل إحقاق التوازن والعدالة المنشودة بحماية جميع الأطراف، حماية الدائن من مُماطلة المدين ووجوب احترام العقود وضماناتها، وحماية المدين من تعسف الدائن أو غشه واستغلاله لما تحت يده من ورقة تجارية، وتنظيم توزيع الاختصاص بين قاضي الموضوع وقاضي التنفيذ، في سبيل استقرار سوق وعدالة مُنصفة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال