الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من أكل سجلات شركة (فوك) الهولندية ؟
شركة الهند الشرقية البريطانية الذراع التجاري للاستعمار البريطاني هي أول شركة مساهمة في العصر الحديث ، وقد تأسست بناء على مرسوم ملكي من الملكة إليزابيث الأولى عام 1600 م ، إلا أن شركة الهند الشرقية المتحدة الهولندية ( فوك) التي تأسست عام 1602 بأمر من الحكومة الهولندية لعدة شركات هولندية متنافسة للاندماج في شركة واحدة تعتبر أول شركة مساهمة عامة محوكمة في العصر الحديث ، وقد تم إدراجها في بورصة أمستردام التي لم تكن تضم إلا هذه الشركة في قائمة شركات سوقها المالي ، وتعد أول سوق مالية في العصر الحديث يتم تداول أسهم شركاتها بشكل علني ولعموم الجمهور.
من المحتمل أن مساهمي شركة فوك في القرن السابع عشر هم أول مساهمين في التاريخ يفكرون بجدية في مشاكل حوكمة الشركات. وابرزهم إسحاق لومير الذي كان مساهمًا كبيرًا في فوك، ففي عام 1609، اشتكى لومير من ممارسة إدارة الشركة غير المطابقة لحكومتها ،فقدم لو مير التماسًا ضد الشركة كأول تعبير مسجل من مساهم حول حوكمة الشركات.
اتهم لومير رسميًا مجلس إدارة الشركة بأنه سعى إلى “الاحتفاظ بأموال المساهمين لفترة أطول أو تم استخدامها بطرق أخرى غير رغباتهم” ، وانتهت القضية باتفاقية عدم تنافس بينه وبين الشركة بعد اتهامه بتهمة الاختلاس ومحاولة تحويل الارباح لنفسه.
في عام 1622 ، حدثت أول ثورة مسجلة للمساهمين في التاريخ أيضًا بين مساهمي فوك الذين اشتكوا من أن دفاتر حسابات الشركة قد “تلطخت بلحم الخنزير المقدد” بحيث يمكن أن “تأكلها الكلاب”، ،وطالبوا بعمل تدقيق مالي شامل يضمن أن سجلات اسهمهم لم ولن تأكلها الكلاب!. ولأنها أول شركة مساهمة عامة تنازعتها تيارات ذات مصالح مختلفة فقد صاحب بداية شركة فوك أحداث كثيرة معظمها تدور حول النزاع بين المساهمين والإدارة ومن أشهرها عمليات بيع ذات السهم لأكثر من مشتري دون علمهم ودون زيادة لرأس المال!
تجربة فوك ورغم مرور أكثر من أربعمائة سنة عليها ، إلا أنها لا تزال في عصرنا هذا تتكرر بشكل أو بآخر في كثير الشركات المساهمة حول العالم ، فنرى مشاهدها الأزلية في أحداث الصراع للسيطرة على إدارة الشركات بين المساهمين الكبار من جهة ، وتبادل التهم بين الادارة والمساهمين في الجمعيات العامة من جهة ثانية ، وظاهرة تكرر توجس المساهمين وتذمرهم وعدم رضاهم عن أداء الإدارة ، يقابلها محاولات إخفاء الادارة معلومات- قد تهدد وظائفهم- عن المساهمين، وتنفّع التنفيذيين تحت ستار حوافز الأداء واستئثارهم بأكبر قدر من المنافع الشخصية ، وتفشى ظاهرة تضارب المصالح ، وسعي كبار المساهمين الحثيث لرفع قيمة أسهمهم وثرواتهم والتخارج قبل صغار المساهمين ، وما يصاحب ذلك – عادة – من حمى تناجش يوقدها المضاربون الانتهازيون.
تبقى حوكمة الشركة جزءاً من وسائل ضمان النزاهة في أعمال الشركة لضبط علاقتها مع أصحاب المصلحة دون تمييز بينهم ، ولكنها ليست كافية لضمان استمرارية الشركة بشكل آمن مالم يكن لصوت المساهم دور فعال في تفعيل حوكمتها ، وهو الأمر الذي لم يكن بمقدور صغار المساهمين أن يقوموا به في شركة اللجين القابضة سابقاً لأمرين: طريقة التصويت غير التراكمية التي كانت كانت تحرم المساهم الصغير من قوة صوته، وطريقة تكييف النظام الأساس للشركة الأم ( اللجين ) والشركة التابعة ( ناتبت ) بطريقة انتقائية جعلته نصا بلا روح كالوليمة التي يدعى إليها الاغنياء ويطرد عنها الفقراء . إن أسباب وآثار هذه الفجوة النظامية مع تحليل للدروس المستفادة من الأحداث خلال الفترة من عام ٢٠١٦ إلى ٢٠٢٠ م هي ما سوف نتطرق له – بالتفصيل – في المقالات القادمة إن شاء الله.
هنا لابد من الاشارة إلى أمر هام وهو أنني اتحدث عن شركة اللجين بصفتي معايش لما حدث، حيث كنت رئيس تنفيذي وعضو مجلس الإدارة سابقا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال