الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتميَّز أسواق المال بحالةٍ من التحرُّك الدائم في تعاملات الأوراق المالية، وما ينعكس عنها من تغييرٍ دائمٍ في أسعار هذه الأوراق صعوداً وهبوطاً.
هذه البيئة التداولية تُشكِّل هوية أسواق المال، حيث يَشعُرُ المتعامِلُونَ فيها بعدم الاستقرار غالباً لعدم ثبات السعر؛ لذا نجد المتداوِل يُراقِبُ الأسعار بشكلٍ دائمٍ، ويتحيَّن فرصة الربح أو يُبَادِر لتجاوز الخسائر.
فإذا نشأت منازعة على الأوراق المالية، فمن غير المنطقي أن يحسم القضاء العادي هذه المنازعة، والسبب أنَّ طبيعة السوق سريعة التغيُّر تجعَلُ من العدالة المُتأخِّرة ظلماً بحتاً.
وبالنظر إلى إجراءات التقاضي أمام المحاكم العادية، نَجِدُ أنَّها لا تُراعِي السرعة بقدر ما تضمن العدالة؛ أي أنَّ اعتبار العدالة مُفضَّلٌ على السرعة.
وإن كانت الأنظمة الإجرائية تحاول تسريع التقاضي، إلاَّ أنَّ منازعات أسوق المال تحتاج إلى نظامٍ خاصٍّ يتناغم مع طبيعتها شديدة التغيُّر.
وهكذا، تبدو حوكمة السرعة مع العدالة بحاجةٍ إلى صيغةٍ إجرائيةٍ مُميَّزةٍ عند البتِّ في منازعات الأوراق المالية؛ كلُّ هذا بغاية الحفاظ على استقرار أسواق المال، وعدم السماح لهذه المنازعات أن تُبطِئَ من حركة السوق أو تُشكِّل مناخاً استثمارياً سلبياً.
بناءً عليه، فقد صدر قرار مجلس هيئة السوق المالية باعتماد لائحةٍ معدلةٍ لإجراءات الفصل في منازعات الأوراق المالية بالقرار 1-15-2022 تاريخ 1-7-1443هـ.
ويمكن استقراء أهم النقاط التي تُميِّز هذه اللائحة من حيث حوكمة السرعة والعدالة، فيما يلي:
* الإسراع بالنظر في منازعة الأوراق المالية
أنشأت اللائحة لجنةً مُختصَّةً بالفصل بالمنازعات على أن يكون لها دوائر فرعية (م/1)، وقد فرضت اللائحة على الدائرة التي تفصل بالمنازعة أن تُباشِرَ إجراءات النظر في الدعوى خلال مدة لا تزيد عن 14 يوماً (م/8-أ).
لكن بالمقابل توجد قاعدةٌ استباقيةٌ تَفرِضُ على المدعي طريق الشكوى إلى الهيئة قبل أن يكون طريق الدعوى مفتوحاً أمامه، الأمر الذي قد يُبطِئُ من وتيرة حسم المنازعة.
حيث إنَّ اللائحة فَرَضَت على صاحب الحق أن يشتكي إلى هيئة السوق المالية أولاً قبل أن تسمح له اللائحة بإقامة الدعوى، وهنا تملك الهيئة مدة 90 يوماً حتى تفصل في الشكوى (م/2)، ومدة 60 يوماً حتى تفصيل بشكوى خاصَّةٍ بقرارٍ أو إجراءٍ صادرٍ من الهيئة ذاتها الصادرة عن الهيئة أو السوق أو مركز الإيداع أو مركز المقاصة (م/3).
* عدم وقف التنفيذ بسبب الدعوى
بالنظر إلى أنَّ أيام تسوية التداولات الخاصَّة بالأوراق المالية لا تتجاوز 3 أيام، فإنَّ مدة البتِّ في الشكوى ثم مدة النظر بالدعوى، قد تُنشِئُ حالةً من الضبابية لدى المتداوِلِين على الأوراق الشبيهة بالمتنازَع عليها أو الصادِرَة من ذات الشركة مثلاً. لذا، فقد أقرَّت اللائحة قاعدة عدم وقف تنفيذ التعامل على الأوراق لسبب نشوء منازعة بخصوص هذا التعامل (م/9).
تعني هذه القاعدة أنَّ أي تداولٍ يجري في السوق، ثم تنشأ عنه منازعة، فإنَّ الهيئة والسوق ومركز الإيداع ومركز المقاصة يقومون بتنفيذ التداول على الكمية والسعر كما تمَّ في السوق، حتى وإن نشأ عن هذا التداول بالذات منازعة قد تبطله وتلغيه.
لكن يوجد استثناءٌ لهذه القاعدة مفاده إمكانية وقف التنفيذ بقرارٍ تقديريٍّ من الدائرة التي تنظر في المنازعة، إذا رأت أن التنفيذ فيه أضرار يتعذَّر تداركها (المادة السابقة).
كأن تكون المنازعة على بيع أسهمٍ عائدةٍ لشركةٍ قاب قوسين أو أدنى من شهر الإفلاس والتصفية، الأمر الذي سيُخَفِّض من سعر السهم؛ وهكذا سيُصيبُ البائع الذي يَطلُبُ إلغاء البيع ضرراً كبيراً مع مرور الوقت يتعذَّر تداركه فيما إذا استعاد الأسهم إثر انهيار أسعارها بعد البدء إجراءات التصفية الشركة، كما أنَّ حصيلة بيع موجودات الشركة يذهب للدائنين أولاً، وقد لا يحصل المساهمون إلاَّ على نسبة من حقوقهم.
لكن هنا قد تنشأ إشكاليةٌ إذا أخطأت الدائرة في تقدير حالة الضرر الذي يتعذَّر تداركه، ذلك إذا حَرَمَت المدعي من وقف التنفيذ، وسبَّبت له ضرراً فادحاً قد لا يمكن تعوضه حتى وإن رجع على المدعى عليه بكل أمواله.
وفي المقابل إذا كان خطأ تقدير الدائرة في وقف التنفيذ لحالةٍ لا تستحقُّ الوقف، فإنَّ هذا قد يتسبَّب بعرقة مسيرة التداول في السوق مثلاً، وهذا يعني أن تسلسل سعر السوق صعوداً أو هبوطاً سيكون ناقصاً من كمية التداول الذي تمَّ وقف تنفيذه؛ الأمر الذي سيؤدِّي إلى الإخلال بعوامل العرض والطلب التي تقوم عليها تداولات الأوراق المالية.
بناءً عليه، يكون على الدائرة التي تُقرِّرُ وقف تنفيذ التداول من عدمه مسؤولية مالية كبيرة وهائلة في بعض التداولات الضخمة على الأوراق المالية.
لذا، وتحقيقاً لحوكمة السرعة مع العدالة، يمكن اقتراح ما يلي:
أمَّا عن التقادم السريع على دعوى منازعات الأوراق المالية، وإجراءات استئناف القرارات الفاصلة بها، فهي موضوع الجزء الثاني من هذا المقال إن شاء الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال