الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تبدأ الشركات الصغيرة برائد أعمال حالم يذيل اسمه بمنصب الرئيس التنفيذي (CEO) ومعه صديقة الشريك المؤسس بمنصب رئيس التشغيل أو التطوير (COO-CIO)، هذين الشخصين أو الثلاثة -كما جرت العادة- يقومون بجميع الأعمال الابتكارية بالإضافة للأعمال اليومية والروتينية من تسويق وبيع وتطوير واختبار وتشغيل وعلاقات عامة وقانونية ومالية وموارد بشرية، ومخرجاتهم مبهرة ورائعة ويقضون يومياً 18 ساعة في مكاتبهم متنقلين بين تلك المهام المختلفة والتي يمارسونها للمرة الأولى بكل شغف، المشكلة تكمن بأن الرئيس التنفيذي وشركاؤه لم يقوموا بحياتهم بتوظيف موظف واحد ولم يراجعوا بحياتهم قائمة مالية واحدة ولا يعرفون في عالم الأعمال سوى الابتكار وروح المغامرة، يضطر الريادي لتعلم كل شيء من الصفر ويجد صعوبة مع الوقت باللحاق بالركب حين تدور العجلة ويتسارع النمو.
دائماً ما يناقش رواد الأعمال قابلية التوسع (Scalability) على مستوى نموذج العمل فقط، ولكن الآلية وشكل الشركة غير واضح بالنسبة لهم، فكما أن نموذج العمل قابل للتوسع يجب أن يكون شكل الشركة قابل للتوسع أيضاً، السؤال الذي يفشل الكثيرون بالإجابة عليه هو كيف سيكون شكل الشركة عند انضمام 10 موظفين وهل سيكون مثالياً لاحتواء 100 موظف مستقبلاً؟ كيف سيكون شكل الشركة القانوني عند دخول أول مستثمر وكيف سيكون توزيع الحصص؟
هل تعتقد عزيزي القارئ أن مؤسسي Facebook وGoogle كانوا على دراية بتفاصيل الشركات ورحلتها الطويلة التي لا ساحل لها؟ بالطبع لا، أغلب مؤسسي الشركات التقنية هم مهندسي برمجيات وليسوا رجال أعمال واكتسبوا مهارة إدارة الشركات وحوكمتها بالممارسة والتعلم، وكما يقول Ben Horowitz “لا يمكنك تعلم كيف تكون رئيساً تنفيذياً إلا إذا مارست العمل كرئيس تنفيذي” ، العلوم الإدارية ليست شيئاً جديداً وليست بحاجة لإعادة اختراع، في النقاط التالية سأغطي أهم الأمور التي يجب أخذها في عين الاعتبار لتحقق معيار قابلية التوسع المؤسسي والنمو (ENTERPRISE GROWTH AND SCALABILITY) من خلال خبرة وممارسة واطلاع على بعض التجارب المحلية والتي فشل بعضها لسبب أو لعدة أسباب من الأسباب التالية:
تصميم شركة قابل للتوسع على مستوى الهيكل التنظيمي
عند البدء في رسم الهيكل التنظيمي كجزء من البنية المؤسسية (Enterprise Architecture) يجب أن يكون واقعياً ومبني على الوظائف الأساسية التي تقوم بها الشركة (Functions) وليس على الأشخاص الحاليين، فتوضع الإدارات المترابطة بالقرب من بعضها بهيكل تنظيمي قابل لاحتواء شكل الشركة بالوضع الحالي وقابل لاحتوائها بشكلها المستقبلي عند نموها بعشر أضعاف، قد يطرأ تعديلات بسيطة مستقبلاً ولكن يجب أن لا يكون التعديل مربكاً وأن لا يؤثر على مرونة التواصل ويحدث ثغرة في جودة مخرجات الشركة.
الفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية والرقابية
إن أفضل نموذج لحوكمة الشركات هو الفصل بين السلطات الثلاثة، فمن مهام مجلس الإدارة وضع الخطة الاستراتيجية ووضع التشريعات وسن القوانين والسياسات الداخلية للشركة، ويكون دور الإدارة التنفيذية ضمان تنفيذ الخطط واستمرارية الأعمال اليومية وتقديم التقارير وتحقيق الأهداف المرسومة في الخطة الاستراتيجية، على أن تكون هناك جهة ثالثة مستقلة تقوم بالدور الرقابي من خلال التقييم والمراجعة المستمرة وتعود بتقاريرها للسلطة التشريعية والتنفيذية.
آلية واضحة لصناعة القرارات
ماذا لو قرر رائد الأعمال تغيير نموذج العمل بأكمله يوماً هل يستطيع أحد ثنيه عن ذلك؟ أكبر تحدي يواجه رواد الأعمال عند التوسع هو الحوكمة وافتقاد الفردانية في صناعة القرار، يجب أن توضع آلية واضحة لاتخاذ القرارات ومراجعتها وتمحيصها من خلال اللجان والخبراء ومنح الصلاحيات لاتخاذ القرارات حسب أهميتها وحساسيتها، هذا التنظيم هو محفز كبير للمستثمرين للدخول في الشركة.
تواصل فعال
يجب أن يكون نموذج التوسع نموذج فعال لا يفقد الشركة رشاقتها بالتواصل والتفاعل، وأن لا تفرض عليها قيود البيروقراطية المميتة فتؤدي لترهل الشركة، من الطبيعي أن تقل سرعة الشركة نظراً لتضخمها ولكن هناك حلول تقنية تعزز من التواصل الفعال دون أي تجاوزات إدارية وترفع الإنتاجية وتعزز روح العمل الجماعي.
التركيز على ضبط الإجراءات
الإجراءات “Process” هي الكلمة المفتاحية للحديث عن الشركات المتألقة والمرنة والمنضبطة، يجب أن يكون هناك دليل واضح لكل الإجراءات في الشركة، ويكون هناك رصد ومراقبة ومراجعة وتحسين من إدارة الجودة لجميع العمليات، وفي حال استحداث أي عملية جديدة تضبط بسياسة وإجراء وتضاف لدستور الشركة.
(الناس، المنتج، الربح) .. بهذا الترتيب
الناس وأصحاب المصلحة هم روح واساس الشركة، الحرص على وجود بيئة صحية في الشركة يجعلها مكاناً جاذباً لاستقطاب أفضل الكفاءات واستخراج أفضل ما لديهم، أكرموا موظفيكم وسيكرمونكم بالإنتاجية التي ستعكس حتماً على المنتج والذي سيتحول إلى أرباح.
إدارة مالية وقانونية منضبطة منذ اليوم الأول
اجتماعات الإدارة المالية والقانونية من أبغض الاجتماعات ويتحاشى كثير من رواد الأعمال حضورها أو اعطائها أهميتها لواقعية الطرح واستخدام لغة الأرقام الجافة التي لا تكذب، الإدارة المالية المنضبطة هي القادرة على التخطيط المالي وإدارة التدفقات النقدية بشكل صحي يضمن نمو الشركة ويعطي إنذار مبكر في حال وجود أي مخاطر قادمة، القانونية والمالية إدارتين استراتيجيتين قد تجنبان الشركة الكثير من الخسائر مثل الوقوع بالغرامات أو توفير مبالغ من خلال إرشاد الانفاق، حتى أنه في بعض الشركات يحق لمجلس الإدارة استدعاء مدير الإدارة المالية دون المرور بالرئيس التنفيذي، ولقد رأينا شركات وقعت بأخطاء محاسبية او قانونية دفعوا ثمنها غالياً.
احصل على مرشد أو مستشار أو وظف تنفيذياً يقوم بذلك
“إذا لم تكن جيداً في صناعة الخبز فأحضر خبازاً”، تقوم غالب الشركات بالاستعانة بمستشار يقيّم وضع الشركة ويفهم أعمالها والوظائف اللازمة لها مقارنة بمعدل النمو والفرص والتحديات وإعطاء أفضل تصور لها وفق أفضل التجارب والممارسات في الشركات المنافسة المحلية والعالمية، قبل أن تقوم بتوظيف القيادي الأول استشر من لديهم المعرفة ولا تتكبر ولا تقاوم، ومع الوقت سيكون هناك شخص مسؤول عن ضبط النمو في الشركة ويكون ذو خبرة في آلية النمو في الشركات والتمويل والتقييم.
إن إدارة الشركات تحتاج للكثير من التعلم والصبر والحكمة والمرونة، مدير الشركة يخدم المستثمرين ومجلس الإدارة والموظفين والعميل تحت رقابة الجهات التشريعية، وهو المسؤول الأول عن كل ما يحدث في الشركة وهذا الكم من المسؤوليات لا يستحمله أي شخص.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال