الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تطلق الحكومات سنويًّا حزمة متنوِّعة من السياسات الماليَّة والاقتصاديَّة، والبرامج التنمويَّة لغرض تحقيق أهداف اقتصاديَّة محدَّدة، أو إحداث تغييرات هيكليَّة، أو حلِّ مشكلات بنيويَّة أو إقطاعيَّة. ويُلاحظ من مراجعة تجارب البرامج الاقتصاديَّة العامَّة غياب عمليَّة متابعة السياسة، أو البرامج وتحليل تبعاتها وتقويم نتائجها المباشرة على الشـريحة الأساسيَّة المعنيَّة بالبرنامج المستهدفة، أو غيرالمباشرة على الشرائح الثانويَّة.
تعدُّ منهجيَّة ” قياس الأثر” أداة أساسيَّة لتحليل نتائج السياسات الاقتصاديَّة العامَّة، والوقوف على درجة فاعليَّتها ونجاحها، و تقويم آثارها الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. كما تعدُّ ضرورة لضمان كفاءة الأداء وآليَّة تحليل المنافع والكلف.
تعود بدايات تطبيق تجربة “قياس الأثر” في تقويم نتائج السياسات الاقتصاديَّة إلى منتصف سبعينيَّات القرن الماضي في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، حيث تمَّ استخدام نماذج أوَّليَّة لقياس أثرسياسة معالجة التضخُّم في القطاعات والنشاطات الاقتصاديَّة. واتَّسع نطاق التجربة لاحقًا ليشمل دولًا أخرى ومجموعةً واسعة من الأنشطة والسياسات الاقتصاديَّة.
الجدير بالذكر، أنَّ التوسع في استخدام منهجيَّة “قياس الأثر”، واتِّضاح منافعها في الدول المتقدِّمة اقتصاديًّا، لم يصاحبه توسُّع مماثلٌ في توظيفها في الدول الناشئة أوالنامية. ولم يحقِّق استخدامها الضيِّق نتائج إيجابيَّة يُعتَمد عليها لأسباب عديدة؛ أهمُّها غياب المعايير العلميَّة المقارنة وعناصر الجودة في الآليَّات المستخدمة في “قياس الأثر”، وتفشِّـي ظاهرة الفساد الإداري وانعدام الحوكمة، إلى جانب عوائق سياسيَة وإداريَّة حالت دون الوصول إلى نتائج دقيقة.
من البديهي أنَّ الهدف الأساس من أعتماد منهجيَّة “قياس الأثر” يكمن في تشخيص التأثيرات الاقتصاديَّة و الاجتماعيَّة المباشرة وغير المباشرة المترتِّبة عن تطبيق سياسة، أو برنامج اقتصادي حكومي، وتحديد آثارهما في المتغيِّرات الاقتصاديَّة الأساسيَّة وأبرزها ؛ المستوى العام للأسعار ومعدَّل البطالة وسلوك المستهلكين ومعدل الاستثمار، ورفاهية الأفراد والمجتمع وتنافسيَّة القطاعات وميزان المدفوعات وسواها من المؤشِّرات الاقتصاديَّة. منهجيَّة قياس الأثر” تعدُّ أيضًا أداة سياسيَّة تُستخدم في قياس المنافع المباشرة المترتِّبة عن البرامج الحكوميَّة، ومدى تحقُّق الأهداف المتوخاة من إطلاقها. كما تعدُّ أداة عمليَّة لمراقبة أداء الجهات المسؤولة عن تنفيذ البرامج، وتحديد مستوىي النجاح والإخفاق .
الوقوف على فعاليَّة السياسات الاقتصاديَّة العامَّة، يتطلَّب أيضًا تشخيص الآثار غير المباشرة، وتحديد ما إذا كانت بعض الآثار المترتِّبة عن البرنامج مخططَّة أم غير مخطَّطة ” اثار جانبية – effect Spillover “.
تتضمَّن منهجيَّة “قياس الأثر” جوانب كميَّة شاملة وعددًا من القواعد المعياريَّة المقارنة منها: قياس شموليَّة البرنامج وتحديد نسبة تحقيق المستهدفات وتحليل المنافع ومماثلتها بالنفقات، وقياس التكلفة الاقتصاديَّة البديلة وتشخيص الشـرائح المستفادة وغير المشمولة. بالإضافة إلى قياس العائد على رأس المال، وهل المنافع المترتِّبة عن تطبيق السياسة تحديدًا، أو مجموعة سياسات تبرِّر تكاليفها؟
يتطَّلب نجاح منهجيَّة “قياس الأثر” توفُّر جملة من المقومات والأدوات المعياريَّة والتطبيقيَّة، من أبرزها: ضرورة تحديد أهداف واضحة قابلة للقياس لتحديد الأثر، واختيار مقاييس كميَّة ومعايير مقارنة ملائمة لتحليل حالة القطاع، أو النشاط المستهدف قبل إطلاق البرنامج الحكومي وبعده، وتشخيص الآثار والتغييرات الجانبيَة، ومراعاة كفاءة الإنفاق ، ودقَّة اختيارالشـرائح و السياقات التطبيقيَّة الأكثر كفاءة، ومماثلة البدائل، واختيار الحلول ذات العائد الاستثماري الأعلى.
من المسلم به، اعتماد منهجيَّة فعَّالة لقياس الأثر، والالتزام بها نهجًا إداريًّا ثابتًا، يفرزمجموعة مؤثِّرة من المزايا والمنافع أهمُّها :
1- تعزيز النموِّ الاقتصادي وزيادة رفاهية المجتمع وتطوُره.
2- الوصول إلى تقويم دقيق وموضوعي للنتائج المتحقَّقة بعيدًا عن تأثيرات واضعي السياسة والجهاز الإداري.
3- تطويرعمليَّة رسم السياسات، وآليَّات صنع القرار.
4- رفع كفاءة الإنفاق الحكومي.
5- زيادة العائد على رأس المال.
6- عدم إغفال التأثيرت الجانبيَّة السلبيَّة للسياسات الاقتصاديَّة العامِّة.
لا مناص – مع التقدُّم النظري والكمِّي اللذين شهدتهما تجربة منهجيَّة “قياس الأثر”- من الإشارة إلى أنَّ سياقاتها ما تزال مفتقرة إلى عناصر الجودة والمعايير الفعَّالة، والخبرة والمعرفة في إعداد الدراسات الناجعة وتصميمها.
ختامًا، من الضـرورة بمكان أن تعتمد الاقتصاديَّات الناشئة منهجيَة “قياس الأثر” الفعَّالة، لغرض ضمان تحقيق الأهداف المنشودة، وتسـريع إنجاز برامج التحوُّلات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وتحقيق كفاءة الإنفاق والوصول إلى التوزيع الأمثل للموارد الاقتصاديَّة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال