الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يكن قرار منظمة “أوبك” بالتوقف عن استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية “IEA” الخاصة بإنتاج الدول الأعضاء بالمفاجيء، فقد تحملت المنظمة الكثير خاصة بعد أن بدا من الوكالة في الآونة الأخيرة كم من السلوكيات العدائية التي تعدت مستوى الكارثة واقعيا، ولتطرق أبواب اللا منطق فكريا، وكأن العد التنازلي لنهاية دور الوكالة في صناعة النفط – بسبب نهجها – قد بدأ!
هذه الوكالة كانت تحارب الدول المنتجة للنفط منذ نشأتها عام 1974، ومازلت حتى بعد أن استقطبت اقتصادي الطاقة التركي الدكتور فاتح بيرول لقيادتها عام 2015، وقد كان قبلها في منصب كبير الاقتصاديين في منظمة “أوبك” التي ينتقد موقفها في تأمين إمدادات النفط واستقرار أسواقه اليوم.
لوحظ في الآونة الأخيرة تسارع انحدار مصداقية الوكالة بسبب مخرجاتها المتطرفة تارة وغير المفهومة تارة أخرى كنتيجة انتقالها الجذري للدفاع عن تحقيق أهداف ملف التغير المناخي العالمي، والعمل – وبلا أي اعتبار للتدرج نحو الطاقة النظيفة الموزونة من خلال تكاملية مصادر الطاقة المتنوعة – لدعم صنع التأثير الاجتماعي والاقتصادي وصناعة سياسات دعم هذا التوجه.
كوكالة دولية ذات صوت مؤثر، من المفترض أنها تتعاطى مع الأمور بشكل علمي وواقعي، وعليه فليس من المعقول قبول عشوائيتها غير المنطقية التي تعايشه، مثل تقريرها الهزلي الصادر في 17 مايو في عام 2021 التي طالبت فيه كافة دول العالم بالتوقف الفوري عن الاستثمار في مشاريع المنبع والاكتشافات والإنتاج الجديد من النفط، ذلك بهدف الوصول إلى ما يسمى بالصفر الكربوني.
بالرغم من انتقاد السوق لتقريرها، قامت الوكالة على لسان رئيسها في 4 أغسطس 2021، بتأكيد ما جاء من مطالبة في التقرير المذكور في اجتماع لقادة الكنيسة الكاثوليكية وقال بالحرف بأن “ليست هناك حاجة للاستثمار في النفط أو الغاز أو الفحم”، وليلحق تأكيده هذا بتغريدة له في 13 أكتوبر 2021، ليؤكد على عدم رضى الوكالة على استمرار الاستثمار في النفط والغاز على مستوى العالم في السنوات الأخيرة.
لكن فجأة وبتحول 180 درجة، انتقدت الوكالة وعن طريق رئيسها في 25 نوفمبر الدول المنتجة الأعضاء في أوبك لرفضهم إنتاج المزيد من النفط لتغطية أزمة إنتاج الطاقة الكهربائية من تقنية الرياح في أوائل نوفمبر، والتي بدأت الحكومات الأوروبية على إثرها التدافع محمومة على الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، مما يعني الرجوع خطوات للخلف في مصداقية مصادر الطاقة النظيفة.
استمرت الوكالة في تضاربها، ففي 16 فبراير حث الدكتور بيرول مرة أخرى وعلنا “أوبك +” لإنتاج المزيد من النفط، حتى كانت أسواق النفط في شهر مارس الفائت على موعد مع بداية العمليات العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا وليرتفع سعر برميل برنت القياسي متجاوزا حاجز 100 دولار، وليخرج رئيس الوكالة في 14 مارس مطالبا البلدان المنتجة للنفط على إنتاج المزيد من النفط.
وضع الوكالة الحالي مقلق جدا، فبالرغم من أهمية استقرار اقتصاد العالم وحقيقة أنه بحاجة للمزيد من النفط والغاز الطبيعي، تحث وكالة الطاقة الدولية الحكومات على وقف الاستثمارات الجديدة في مصادر الوقود الأحفوري، وأيضا تقدم التقارير والبيانات المتضاربة، مما جعلها في موقف يتساءل فيه الجميع عن مدى مصداقيتها في التعاطي مع مستقبل اقتصاد العالم، الذي أثبتت الأحداث أنه مازال قائما على مصادر الطاقة الأحفوري.
بل وحتى في هدفها الذي تتبناه حاليا في دعم الوصول لصافي صفر كربوني بحلول عام 2050، لم تظهر الوكالة رزانة في نهجها، وهذه كلها دلالات بأن هناك خطب ما داخلها، مرتبط بفقدها لعامل الموثوقية في عالم النفط، وغالبا هذا ما دفع “أوبك” للفظها تماما كمرجع للبيانات المرتبطة بالدول المنتجة للنفط، ضمن عملية إعادة تأهيل إدارية وفنية تحتاجها المنظمة للمستقبل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال