الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الإدارة وعلومها تتطور حسب متغيرات العصر، ولقد تسارعت وتيرة الابتكار في منهجيات الإدارة بعد صعود الشركات التقنية وتصدرها للمشهد والتي ساهمت مساهمة مباشرة في تحسين بيئات العمل وتصحيح بعض الأفكار الإدارية القديمة من خلال تطوير أدوات للمتابعة والمراقبة والتحسين مع توفير طرق تواصل أكثر فاعلية تجمع بين التوثيق والسرعة وتوائم احتياجات السوق وتتماشى مع عقلية الشباب العاملين عليها، ولو عدنا لعام 1970م لوجدنا أن العديد من شركات Fortune 500 اختفت ولم يعد لها وجود لأنها لم تستطع مواكبة عصرها و هرمت وشاخت ولم تكمل مشوارها، الشركات القادرة على التكيف والتطور هي الأكثر حظاً بالاستمرار والنمو.
يتميز مهندسو البرمجيات عن غيرهم بعقليتهم المرتبة والفذة والتي تنعكس على سلوكهم بالانضباط والابتكار، ولعل لي وجهة نظر -سأكتب عنها لاحقاً- عن مهندسي البرمجيات وأثرهم الملموس في تحسين حياة الإنسان بكل تفاصيلها، إن من أجمل المفاهيم التي عمل عليها مهندسو البرمجيات -والتي هي صلب حديثنا في هذه المقالة- منهجية التطوير باستخدام الأجايل Agile Methodology والترجمة الحرفية لكلمة Agile هي الرشاقة.
في منتصف التسعينات اكتشف مهندسو البرمجيات أن منهجية إدارة المشاريع التقليدية غير صالحة لإدارة المشاريع التقنية والمسماة بمنهجية تدفق الشلال (water fall)، حيث إن منهجية إدارة المشاريع التقليدية تنتهي بتسليم المشروع دفعة واحدة وتمر بمراحل متسلسلة لا تتكرر، فالتخطيط يتم لمرة واحدة ثم التنفيذ والتسليم وهذا يختلف تماماً عن تطوير البرمجيات، ففي عام 2001 اجتمع 17 مهندساً في مدينة أوتاوا لحل هذه المعضلة في تطوير البرمجيات في محاولة لابتكار طرق أكثر فاعلية وخرجوا بما سموه “بيان الآجايل” أو “Agile Manifesto”:
“إننا نكشف النقاب عن طرق أفضل لتطوير البرمجيات وذلك من خلال تطبيقها ومساعدة الآخرين على ذلك، وعبر هذا العمل توصلنا إلى:
ويعني ذلك أنه على الرغم من كون العناصر على الجانب الأيسر ذات قيمة، فإننا نعطي قيمة أكبر للعناصر على الجانب الأيمن”. انتهى…
مع هذا النجاح الواضح لمنهجية Agile بدأ الباحثون بالتركيز عليها كنموذج يمكن توسيع آفاقه، لقد لاحظ الباحثون أن المنهجية تركز بشكل أساسي على الابتكار في الجانب الإداري وليس على الجانب التقني، تحتوي Agile على منهجية متكاملة تبدأ من تكوين فرق العمل وتنظيم الاجتماعات والإجراءات وآلية اتخاذ القرارات، وصولاً لفكرة الإطلاقات الصغيرة المستمرة القابلة للمراجعة والتحسين مما يضمن الحصول على أفضل جودة وبوتيرة متسارعة تتناسب مع متطلبات العميل المتغيرة، حيث تضع رضى العميل كأولوية قصوى مقدمةً على نطاق العمل، كل هذه المفاهيم تنطبق تماماً على الشركات التي تبحث عن النمو مع ضمان ولاء عملائها وتلبية رغباتهم مع وجود المرونة الكافية للتكيف مع تغيرات السوق والمحافظة على مكانتها ودون الإخلال بمبادئها وقيمها وأهدافها.
لقد بدأت بيوت الخبرة بعمل دراسات ونشروا أبحاث تتحدث عن مفهوم الرشاقة في إدارة الشركات (Agility)، نشرت Mckinsey عدة مقالات وأبحاث تتحدث عن المنهجيات السليمة في الإدارة الرشيقة وركزوا على (الفرص والمخاطر) التي قد تتعرض لها الشركات عند تبني الـ Agility، ولقد سررت جداً عندما شاهدت معالي وزير الاتصالات م. عبدالله السواحه يتحدث لأول مرة عن الـ Agility في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار 2019م، وتكرر ذكر هذه المنهجية عدة مرات في عدة لقاءات وهذا سر من أسرار نجاح الوزارة.
مفاتيح النجاح في تطبيق الإدارة الرشيقة Agility
أول مفتاح في تطبيق الإدارة الرشيقة هو هيكلة الشركة بطريقة تحقق الاستقرار والديناميكية، يجب أن يكون شكل الشركة مرن ومسطح لاحتواء الأشياء التي قد نظن أننا لسنا بحاجة لها اليوم، يركز الهيكل في Agility على اللجان وفرق العمل أكثر من تركيزه على التسلسل الهرمي في الهيكل التنظيمي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التركيز على ثلاث عوامل
عندما يفكر رجال الأعمال في كيفية تصميم هيكل الشركة فإنهم ينجذبون على الفور نحو التسلسل الهرمي للإدارة (الخطوط والمربعات)، الهيكل بشكله الهرمي هو مجرد عنصر واحد صغير في تنظيم الشركة، يجب أن يحقق الهيكل معيار الحوكمة وكيفية إنشاء اللجان التي يمكنها اتخاذ القرارات والسلطات التي يتم تفويضها ومن هم الأشخاص والصلاحيات الممنوحة لهم، هذا كله جزء من الهيكل.
المفتاح الثاني هو مراجعة العمليات بشكل مستمر وتحسينها، كيف تعمل؟ ما هي الأنشطة التي ستكون أكثر فاعلية عند دمجها؟ ما هي القرارات ومن يتخذها على طول سلسلة الإجراءات؟ كيف يتم قياس الأثر ومرونة الإجراء.
المفتاح الثالث هو مؤشرات الأداء الفعالة KPIs، وهو المرآة التي تعكس أداء الشركة للإدارة، لابد أن تصمم الشركة معايير واضحة لقياس أدائها حتى تتم مراجعة وتحسين الأداء والعمليات والإجراءات بشكل مستمر.
المفتاح الرابع والأخير يتعلق بالناس، الشعور بالحرية والمرونة بالعمل يعطي انجذاب للإنتاجية أكثر من الالتزام بساعات عمل معينة، ولقد نجحت الشركات التقنية بالعمل بعدة نماذج مثل ساعات العمل المرنة أو العمل عن بعد أو المكافأة حسب الانتاجية، هناك الكثير من الأشياء التي يمكن للشركات القيام بها بسهولة وتضفي على بيئة العمل روح التعاون والانجاز والإحساس بالمسؤولية والتي ستحدث فارق كبير في أداء الموظفين، أما الأشياء الأخرى فتحتاج لوقت طويل للتغيير مثل الثقافة، حيث يستغرق بناء الثقافة والبيئة الصحية وقتًا طويلاً ويتطلب الكثير من التفكير والتخطيط والجهد.
لماذا تفشل الشركات الكبيرة في تطبيق مفاهيم الإدارة الرشيقة Agility
تواجه الشركات الكبيرة والناجحة التحدي الأكبر في تبني الـ Agility، تلك الشركات لديها إرث، لقد نمت ونجح معظمها من خلال التسلسل الهرمي الإداري التقليدي باستخدام الصناديق والخطوط والهياكل والأوصاف للعمليات مربوطة بالوظائف، ويتم تشغيل الشركة والتحكم بها بشكل مركزي من الأعلى، ماذا سيفعل ذلك المدير المخضرم عندما يشعر بالخوف وعدم اليقين بعد خبرة تتجاوز العشرين عاماً في إدارة الشركة وسجل حافل بالإنجازات؟! سيعود إلى ما نجح فيه بالماضي، سيمارس المزيد من السيطرة، سيضيف المزيد من القواعد والسياسات، سيزيد من تعقيد الهيكل التنظيمي ويزيد في عمقه حتى يكون في منأى عن اللوم، العقلية الإدارية التي لا تستطيع تفهم الواقع وفهم عمق المشكلة ستنشغل في علاج الأثر وإطفاء الحرائق.
إن القيادي الحقيقي يجب أن يكون واقعياً، قد يكون الحل بتقليل الهيكل واختصار العمليات وعمل شركة أكثر رشاقة، من السهل والمريح إضافة الأشياء وزيادة تعقيدها ومن الصعب التبسيط والاختصار مع المحافظة على الحوكمة ومبادئ الشركة وقيمها وأهدافها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال