الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل أيام قليلة، شدني خبر في العديد من الصحف السعودية عن نسبة المواطنين الذين تعرضوا للاحتيال المالي. هذه النسبة هي نتيجة استطلاع للرأي العام أجراه المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام التابع لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني.
كان هذا الاستطلاع عن الرأي عام حول الاحتيال المالي و الذي شارك فيه 1045 من المشاركين، وقد جاءت نتائج الاستطلاع على النحو التالي:” 62% تعرضوا لمحاولات احتيال مالي عبر المكالمات الهاتفية أو الوسائل الالكترونية، و28% ممن تعرضوا لمحاولات احتيال مالي قالوا إنه كان هناك علاقة بين محاولة الاحتيال المالي التي تعرضوا لها ونشاط سابق قاموا به، من قبيل الشراء عن طريق الأنترنت ، شحنة بريدية ، دفع حساب بالبطاقة البنكية في جهة معينة، إذا اتصل أحد يدعي أنه نفس الجهة، فيما خسر 14% مالا بسبب الاحتيال المالي عبر مكالمات هاتفية أو وسائل الالكترونية أخرى . وفيما يخص تأثير الخسارة المالية، قال 53% إنها أثرت سلبا على أسلوب حياتهم وحياة أسرهم ، فيما يرى 16% إنها أعاقت خطط الادخار لديهم.”
62% من المشاركين في الاستطلاع تعرضوا لمحاولات احتيال مالي، وهذه في واقع الأمر نسبة مرتفعة. هذه النسبة تجعلنا نتساءل، من هو المسؤول عن مثل هذه العمليات الاحتيالية.
على مر سنوات العمر، منذ الطفولة، ونحن نستمع لقصص مختلفة عن الاحتيال والنصب، نسمع عن هؤلاء الاشخاص الذين يقرعون الباب وهم على سيارة فارهة، ليطلبوا من أصحاب المنزل أموالا بسبب ضياع بطاقة الصراف وعدم وجود الكاش بيدهم، ومنهم من يرتدي قناع الزهد و التقوى ليجمع تبرعات، وفي النهاية تكون هذه التبرعات لتحقيق ثراء شخصي مستغلا رغبة المتبرعين بالأجر من الله، ومنهم من يرتدي قناع المستثمر، ليأخذ أموال الناس مستغلاً رغبتهم في الثراء، وهلم جرا من حوادث الاحتيال المالي التي لا تعد ولا تحصى. الاحتيال المالي ليس قضية جديدة ولا حتى قضية نادرة الحدوث، بل هي جزء من نسيج أي مجتمع في العالم.
لكن كونها جزء من هذا النسيج، لا يعني أننا نتقبله، فالتحايل المالي هو الجزء العفن من أي مجتمع و الذي يعيش ويزدهر من خلال العزف على مشاعر الضحايا واحلامهم وعواطفهم و رغباتهم. فالسؤال الآن، مكافحة الاحتيال المالي، هي مهمة من؟
الاحتيال المالي يحدث من خلال استغلال المحتال لثقة الضحية من خلال الافصاح عن معلومات سرية يستغلها المحتال لمصلحته الشخصية. واستغلال ثقة الضحية تختلف من مجتمع الى مجتمع، ومن فئة الى فئة وهذا يعتمد على الهندسة الاجتماعية للمجتمع. مثلا، في بريطانيا ارتفع نسبة الاحتيال المالي خلال الوباء مع ارتفاع عدد المستهلكين بالتسوق عبر الإنترنت ومحاولة الاستثمار المصرفي الرقمي بسبب فقدان الكثير لمصادر دخلهم المعتادة خلال الازمة.
نتيجة لذلك، سرق المحتالون في بريطانيا فقط، مايقارب 754 مليون جنيه إسترليني (1.03 مليار دولار) من خلال عمليات احتيال بنكية في النصف الأول من عام 2021، بزيادة 30٪ عن نفس الفترة من عام 2020. هذا المبلغ يساوي المبلغ الذي منحة وزير الخزانة البريطانية كمساعدة للجمعيات الخيرية للتعافي من تداعيات الوباء عليها. ومن هنا صنفت بريطانيا جريمة الاحتيال المالي بأنها من الجرائم التي تمس الأمن الوطني.
تصنيف الاحتيال المالي من ضمن جرائم الأمن الوطني، وهذا يعني أن مهمة محاربته ممتدة لتشمل نسيج المجتمع ككل، وليست مقتصرة على افراد محددين.
بعبارة اخرى، السبب في اعتبارها أنها مهددة للأمن الوطني هو أن أطراف العلاقة هنا متعددة، ليست مرتكزة على طرف او طرفان فقط. كما ان مشكلة الاحتيال المالي يقع خلال دقائق، والكشف عن مرتكبيها يحتاج فترة طويلة، أما تفاديها و الوقاية منها يحتاج سنوات من العمل الجاد و المستمر. لذلك، ولاهمية هذا الموضوع، اصدرت ساما “البنك المركزي السعودي” دليل مكافحة الاحتيال المالي” و “دليل الوقاية من الاحتيال المالي” وصدر نظام مكافحة مكافحة الاحتيال المالي و خيانة الامانة.
فمثلا، في دليل الوقاية من الاحتيال المالي، ركز على توعية المواطنين والمقيمين عن أساليب الاحتيال المالي من جهة، وإرشادات لتلافي التعرض للاحتيال المالي من جهة اخرى. أما دليل مكافحة الاحتيال المالي، فهذا الدليل يتضمن تعريف بالاحتيال المالي وإرشادات للجهات المصرفية والشركات بخطورة الجريمة وكيفية تلافيها من خلال فرض احترازات معينة، مثل تطبيق معايير الحوكمة والالتزام، تقييم المخاطر، تدريب الموظفين …الخ.
لذلك، الاحتيال المالي ليست قضية تخص الفرد وحده، والملام فيها ليس المحتال فقط، وانما الاحتيال المالي هي قضية يدخل فيها الضحية والمحتال و القطاعات المختلفة في الدولة، سواء قطاعات امنية او مالية أو قضائية. كما يدخل بها ايضا القطاع الخاص و القطاع الثالث، من خلال عملية التوعية، اما بنشاطات المؤسسات الخاصة وكيف يمكن ان يتم الاحتيال عبر استغلال اسمها وتجارتها، والقطاع الثالث كمسؤولية مجتمعية يدعمها كلا من القطاع الخاص والعام. واخيرا، وعي الفرد بان ليس كل من يدغدغ عاطفته ويلمس حاجته يعتبر صادقا في وعوده. وبالتالي، الاحتيال المالي يمكن مكافحته بوعي الفرد سواء كان مواطنا او مقيما، وبعدها القطاعات الامنية والعامة والخاصة ذات العلاقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال