الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حوار بين طالب وطالبة:
أعمل كأستاذ قانون في كلية إدارة الأعمال في إحدى الجامعات الأهلية، حيث أقوم بإعطاء محاضرات عن البيئة القانونية للأعمال، لطلبة الماجستير من خلفيات متنوعة من اقتصاد، ومحاسبة، وضريبة وتقنية…. غالبًا استغل المحاضرات ببعض المناوشات؛ عبر فتح نقاشات موسعة لسماع وجهات نظر الطلبة في عدد من المواضيع. وفي إحدى المحاضرات، تحدثنا عن مفهوم تحليل التكلفة والمنفعة Cost-Benefit Analysis للنصوص القانونية من ناحية تشريعية واقتصادية، والمسؤولية الاجتماعية للشركة من ناحية أخرى، وتحقيق الأرباح، وما هو هدف الشركة بالدرجة الأولى. فطرحت عليهم تساؤلًا في أهمية رفع التمثيل النسائي في مجالس إدارات الشركات من عدمه. يمكن القول، إن الردود كانت مختلفة ومميزة، ولكنها غالبًا تدور في قالب واحد، وهو أن معايير الترشح في مجلس الإدارة، يجب أن يكون مبنيًا فقط على الكفاءة لا غير؛ فالشركة ليس لها إلا هدفًا واحدًا، وهو تحقيق الربح للمساهمين. أما إلزام الشركات التي يملكها المساهمين، وفرض تعيين النساء عليهم، يُعَدُّ عملًا ليس معقولًا، وخارج عن أبجديات تحقيق العوائد والأرباح للمساهمين. وحقيقة حاولت هنا توجيه النقاش بطريقة مختلفة؛ هل تتغير وجهة نظركم، أم تحتفظون بمسألة الكفاءة كمعيار لو تعلقت المسألة بشخص أجنبي غير سعودي، أم أن الشركة حرة في تعيين من تشاء، متى ما كان الأجنبي أكثر كفاءة من السعودي ولو على المستوى النظري؟ ومن هنا تحولت ردود الطلبة من الربحية والكفاءة إلى الوطنية وحماية الأمن الوطني.
وفي إحدى محاضرات قانون الشركات -قسم الطالبات- كنا نتحدث عن مدى تدخل هيئة سوق المال ووزارة التجارة في فرض نصوص نظامية على الشركات، وبين حرية الشركاء والمساهمين في التعاقد. ومن هنا، وجهت نفس التساؤلات كما هو مع الطلبة من الذكور. هل ترون أن هناك حاجة لرفع التمثيل النسائي في مجالس إدارات الشركات؟ فكانت لهم آراء ووجهات نظر مختلفة، لتبرير الحاجة إلى مثل التدخل الحكومي الضروري. ويمكن تلخيص حديثهم، أنه يفترض بوزارة التجارة السعودية أن تنحو في الاتجاه الأوروبي-الذي وضحته لهم- حتى يكون هناك بروز وتمثيل أكثر للنساء في مجالس إدارة الشركات، فهناك طاقة بشرية هائلة يفترض استغلالها. وتضرب طالبة بمثال تعيين النساء والسعودة، والذي ساهم برفع تمثيل المرأة في القطاع الخاص، والذي لم يكن إلا عبر تحرك حكومي، وليس رغبة داخلية حقيقية من القطاع الخاص. ومن هنا وضعت الطالبات في موقفٍ بعيد عن المشاعر والعاطفة؛ عبر إعادة توجيه التساؤل لإحدى الطالبات، عندما تشترين في شركة ما مدرجة في سوق تداول، أليس هدفك الأول من ذلك الاستثمار هو تحقيق العوائد الربحية؟ فهل يهمك كمستثمرة إذا كان أعضاء المجلس رجالًا أو من النساء، أم يهمك بشكل رئيسي أن يكون المجلس أكثر فعالية في المتابعة وقراءة التقارير وحضور الجلسات؟ بمعنى آخر، أليس ما يهمك هو فقط مسألة الكفاءة لتحقيق عوائد ربحية لاستثمارك؟
وحقيقة هنا حاولت الضغط عليهم بتوجيه النقاش بطريقة مختلفة، لو تلقيتم الآن اتصالًا من وزارة التجارة، وتم سؤالكم، ما هي الأسباب الاقتصادية والمتوقعة التي ستعود على الشركات، لو قمنا بإلزامهم بوضع نسبة من النساء كعضوات في مجلس إدارة الشركة؟ بدأت الإجابات تشتت وتختلف، وهذا شيء طبيعي ومنطقي، ولكن يسودها دون شك، الخلط بين المساواة في الفرصة والمساواة في النتيجة. فعلى سبيل المثال، لو اتخذ نظام الشركات السعودي اتجاهًا مشابهًا للفرنسي؛ عبر فرض دخول النساء في المجلس؛ فإن فرصتها مضمونة ١٠٠٪. فلو فرضنا ترشح ٤ كأعضاء في مجالس إدارة شركة مكون من ٣ أعضاء، وكان المترشحون ٤ فيهم امرأة، فهي ستضمن كرسيًا في المجلس بغض النظر عن نتيجة المترشحين، وهذا ما يسمى بمفهوم المساواة في النتيجة؛ عكس التنافس في الفرصة، والتي ستكون نسبة نجاحها كعضوة ٢٥٪.
الملفت للنظر، كان هناك طالبة لها إجابة مختلفة عن زميلاتها وعن الطلاب أيضًا. فالحقيقة ليس من السهل أن تخرج برأيٍ مختلف عن نظرائك. وعودة على إجابتها؛ فهي ترى أن نظام الشركات، يجب ألا ينص على إلزامية تعيين المرأة بقوة القانون فقط لأنها امرأة؛ بل يجب أن يقع الاختيار على العضو للكفاءة، بغض النظر كان رجلًا أم امرأة. فالمسألة مرتبطة بتحقيق الأرباح. فحاولت الضغط عليها؛ فإذا لم يكن هناك تحركًا حكوميًا، فلن يكون هناك تحرك من داخل الشركات.
من ناحية عملية، وبعد قراءة أبرز الدراسات، والتي تبرر ضرورة التمثيل النسائي تحت مفهوم المسؤولية الاجتماعية والبيئية والحوكمي ESG والذي بدأ يستشري في الدول الأوروبية. ولم تظل كما هي نداءات وأصوات اجتماعية، بل ترجم بعضها إلى قوانين، ومخالفات في حال عدم الالتزام بالنسبة المشروطة للتمثيل النسائي. وعلى سبيل المثال، بدأ يظهر في النظام الفرنسي، إلزام الشركات التي تزيد العمالة فيها عن 500 موظف، والتي يتجاوز دخلها خمسين مليون يورو خلال ٣ سنوات، بأن تكون نسبة حضور النساء بالمجلس بما لا تقل عن 40%. وحتى في الجانب الأمريكي، يمكن القول، إنه بدأ يتسرب شيئًا فشيئًا في بعض الولايات الامريكية. فعلى سبيل المثال، ولاية كاليفورنيا بدأت تلزم بالتنوع في مجالس إدارة الشركات، أو ستفرض غرامات على الشركة غير الملتزمة بما لا يقل عن 300.000 ريال. وحتى بعض المؤسسات المالية والتي تقدم القروض، بدأت تأخذ رؤية أكثر تشددًا في منح القروض للشركات الناشئة أو المتوسطة؛ إذا لم يكن هناك تمثيل متنوع للنساء في المجلس.
البعض يرى أنها ليست فقط حركة اجتماعية وموجة عاطفية، بل الدراسات القانونية تبرر بارتفاع حوكمي، تحديدًا في الانضباط والالتزام داخل الشركة، مع رفع نسبة تمثيل النساء في مجالس إدارات الشركات. أستاذ القانون الكبير Coffee له وجهة نظر قانونية تفسر هذه المسألة؛ ففي دراسة نشرها على موقع الحوكمة لجامعة كولومبيا، يوضح البروفيسور أن ارتفاع الالتزام في الشركات التي يكون فيها تمثيلًا نسائيًا جيدًا، هو أن المسألة مرتبطة بعوامل نفسية في شخصيتها كأنثى، وفي تعاملها مع المخاطر المالية عن نظيرها عضو مجلس الإدارة الرجل. فالمجلس المسيطر عليه بالكامل من الرجال؛ يغلب عليه أن يكون عرضة للمجازفة بناءً على العائد المحتمل، بغض النظر عن المخاطر، كالخسارة التي قد تعود على الشركة أو الغرامات. ومن هنا يكمن أهمية دور المرأة، في جعل الشركة أكثر انضباطًا أو موائمة مع الأنظمة، والذي يخفض تكلفة طلب الاستثمار.
فلو أخذنا على سبيل الجدل، أن دخول المرأة سيعزز موقف الشركة من ناحية حوكمية، ولكن ذلك قد يحرم الشركة والمساهمين من بعض العوائد التي قد تستحق بعض المجازفة. والسؤال المهم، هل سيفهم ديناميكية السوق تركيبة المجلس، أم يجعل الشركة في موقف سلبي؛ لعدم استغلالها أصولها وإمكانياتها؟ والبعض يقفل الباب بالكامل أمام ذلك، كاستاذ القانون في جامعة هارفارد بيشبك، والذي يقف موقفًا مختلفًا إلى حد ما، وهو الرفض الكامل، حيث يرى أن ذلك سيدخل الشركة في تعقيدات، ويحرفها عن هدفها الرئيسي. إذا اتفقنا على أهمية التمثيل النسائي، كم نحتاج من النساء 10%، 30%، أو 40% حتى يحقق الغاية المفترضة منه، وما هي الغاية ابتداءً؟
ختامًا، لا أعتقد أن النقاش حول هذا الموضوع سيتوقف قريبًا، ولكن المهم جدًا ألا يكون هناك موقفًا حكوميًا متشددًا؛ دون أن تكون هناك دراسة مستفيضة، قبل إلزام الشركات بمثل هذا الاتجاه. ولكن لدينا معضلة، فهناك حاجة كبيرة إلى استغلال مثل هذه الطاقات الهائلة من جانب النساء. هل ممكن أن نأخذ موقف وسطًا، بحيث تأخذ الشركات في لوائحها موقفًا إيجابيًا في هذا الاتجاه؛ لا سيما الشركات التي تتعامل مع النساء كمستهلكين؟ ولا أعلم إذا كان مثلًا العضو المستقل في مجلس إدارة الشركة يراعى فيه التمثيل النسائي؟.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال