هل تشاهد التلفاز في رمضان؟

سلوك المستهلك له أهمية كبيرة في علم التسويق، بل إن التبحر فيه وفهمه يعد من الطرق الهامة لإنجاح وتحقيق مستهدفات إدارة التسويق في أي جهة. وبرأيي أن فهم هذا السلوك هو من أصعب مواضيع التسويق لأنه متعلق بالإنسان فهو بطبيعته ديناميكي كثير التغير ولا يخضع للمعايير العقلانية والمنطقية في تفسير الدوافع والحواجز والتصورات والتفضيلات. فما هو مفضلاً مثلاً للمستهلك السعودي في خيارات الطعام، يكون مكروهاً في مجتمعات من جنسيات أخرى والعكس صحيح. بل إن الاختلاف يحدث في المنطقة الواحدة بناء على مثلاً العمر والجنس والحالة الاجتماعية. فما كان مرغوباً قبل عشر سنوات من صغار السن في مدينة الرياض، قد لا يصبح الآن بنفس التفضيل من نفس الفئة العمرية. وهكذا فإن مراقبة وعمل الأبحاث الخاصة بسلوك المستهلك تساعد على رصد التغيرات في الاستهلاك واستيعاب الأسباب خلف ذلك وبتالي فهم السلوك والتخطيط بناء عليه وتقديم المنتجات المناسبة بناء على ذلك.

نعاني محلياً من شح الدراسات الخاصة بسلوك المستهلك السعودي، حيث أن البيانات المتوفرة عنه خلال الستين سنة الماضية شحيحة جداً ولا تزال، ولكني ألمس بعض الوعي والتحسن مؤخرا ولله الحمد.  وفي دراسة مفيدة أعتقد أنها من الأوائل في محتواها تم نشرها مؤخراً من المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام والذي يقوم حقيقة بجهود متميزة في تقديم نتائج موثوقة حول قضايا المجتمع المختلفة، حيث رصدت الدراسة سلوكيات المجتمع في رمضان حول تناول الوجبات والنوم ومشاهدة التلفاز. فوجدت الدراسة أن 50% يتناولون وجبة واحدة قبل صلاة المغرب. و36% لا ينامون في الليل وهي النسبة الأكبر من عادات النوم في رمضان تلاها 25% ممن ينامون متأخرا (1 – 3 ص). أما فيما يخص عادات وجبة السحور فكانت النسبة الأكبر (36%) يتناولون وجبتهم الساعة 3 صباحاً، تلاها نسبة 24% عند الساعة 2 صباحاً. ويبدو أن وجبة السحور وقت يتجمع فيه أفراد الأسرة حيث أن 71% من السعوديين تجتمع عائلاتهم حول وجبة السحور. وكان بودي لو كان هناك معلومة تقارن بين أي الوقتين (السحور أو فطور) تجتمع فيه الأسرة بشكل أكبر حيث أن معرفة هذا التوجه يعطي تصوراً عن الوقت الأكثر تفضيلاً لاجتماع الأسرة في الوجبات الرمضانية.

تبقى المعلومة الأهم من وجهة نظري والتي تبرز بشكل واضح تغير سلوك المستهلك السعودي في عادته واستهلاكه الإعلامي وهي وقت مشاهدة التلفاز في رمضان. حيث أنه من المعلوم أن مشاهدته في رمضان وعلى مدى سنوات طويلة سابقة هو الوسيلة المفضلة لوسائل الإعلام المعروفة. وكانت أسعار الإعلانات التجارية في هذا الشهر تعد الأغلى مقارنة بباقي السنة، بل إن الوقت بين الانتهاء من صلاة المغرب وقبل آذان العشاء هو الوقت الذهبي وهو الأغلى سعراً، لأنه معروف بوقت التجمع حول التلفاز، ووصل سعر ال 30 ثانية في هذا الوقت إلى ما يفوق 150 ألف ريال. ولكن أتت نتائج هذه الدراسة توضح التغير الكبير الذي حدث في هذا السلوك. حيث وضحت الدراسة أن 57% لا يشاهدون التلفاز اطلاقاً في رمضان تلاها نسبة 37% يشاهدونه بعد الإفطار، وكان من المثري لو كان هناك سؤال لمن لا يشاهد التلفاز ما إذا كان يشاهد بدائله الحديثة مثل يوتيوب، منصات لمشاهدة الأفلام والمسلسلات سواء العربية أو الأجنبية وقنوات التواصل الاجتماعي، حتى يكون هناك تصور أوضح لهذه الفئة وكيف هي عاداتها الإعلامية في رمضان. كذلك كان من المفيد أكثر ايضاح الفئة العمرية والمناطق المشمولة في الدراسة حتى يتبين ما إذا كان هناك فروق واضحة في النتائج بناء على تلك المتغيرات.

وجود مثل هذه الدراسات التي ترصد التغيرات في سلوك المستهلك السعودي مهمة لأمرين الأول هو فهم الوضع الحالي ووضع الخطط اللازمة لتحقيق الأهداف. وأما والآخر هو أن تكون لدينا بيانات مؤرشفة على مدى السنوات يمكننا الرجوع إليها وقت الحاجة لها خصوصاً وأن سلوك المستهلك متغير بشكل سريع.

خلاصة القول، لابد أن تعرف عميلك وتفهمه حتى تحقق أهدافك.