الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هناك عالمان أساسيان عالم الغيب وعالم الشهادة، ويحتضن كل منهما عوالما مليئة بعوالم، فالله رب العالمين، وفي فلك عالم الشهادة يخوض البشر بعلومهم وتجاربهم الظنية غير القطعية، فمنهم من يفلح ويصيب ويصل إلى نتائج يقينية بعدما يقطع مراحل من البحث والتجارب، ومنهم من يخطئ أو تنقطع به السبل وينتهي به العمر لم يبلغ مناه، ويقطف ثمرة بحثه وجهده غيره.
وهكذا يأتي من بعده ويستكمل الرحلة التي انتهى إليها من سبقه إلى أن يشاء الله، فيكتشف الإنسان أنماطا جديدة مختلفة لمعاشه وسكنه وتنقله وصحته من واقع تجارب سابقة أو من فهوم مجربين معاصرين لواقع سابق بانت على أيديهم دلائل فحقائق بعد عدة فرائض ونظريات، وهذه كلها محاولات يكتشفها الإنسان بعقله وتفكيره وبحثه جيل بعد جيل، فينسجم معها لتكون نمط حياته الدنيوية ومعاشه فيها هذا كله في عالم الشهادة، ورب العالمين هو السيد على العالمين بما فيها عالم الشهادة فلا يسكن متحرك ولا يتحرك ساكن في عالم الشهادة أو عالم الغيب إلا بإذنه وعلمه وتدبيره وتصريفه وإرادته.
وجعل في الأرض نيات وأعمالا من البشر، تستجيب لها أحوال الغيب، والغيث لا يهجرها وإن أيس أهلها وفقدوا الرجاء، إذن أحداث الأرض بل الأحداث الكونية لا تنفك عن هذه العلاقة وبها مضطردة، ونحتاج أن نتأمل في هذا التناسب بين النيات والأعمال صعودا من البشر والأحوال نزولا من الله سبحانه وتعالى، تعالوا نشاهد صورا للأعمال وتناسبها مع الأحوال إما بركة أو محقا، ولتبسيط المسألة بشيء من الواقعية لتكون أبلغ من التعريفات الاصطلاحية، فالناس فطرة يهرعون تعبدا وتقربا بالأعمال لإله يألهونه، فالعبودية فطرة وجبلة في خلقتهم، بغية تزيين أحوالهم بغض النظر عن ديانتهم واتجاه أعمالهم سواء كانت وجهة صحيحة أو وجهة لغير مستحقها، فصور الأحوال (الصحة، المرض، الخوف، الأمن، الجوع، الفقر…الخ) تستجلب من مالكها ومصرفها الحق بالأعمال (التوحيد، الاستغفار، الصلاة، الزكاة، الصدقة، الصيام، أعمال البر )، فتتغير لها سنن الكون وتتبدل في أقل من لمحة بصر.
إن الله على كل شيء قدير، فمن يملك هذه الحقيقة من الناس هو الأسعد، ولا يتنافى مع الأسباب المادية أو يتعارض معها، تأملوا لو كان الليل من صناعة آلة البشر، لبطش به من يملكه بمن لا يملكه وأحال نهاره ليلا حتى يتخذه عبدا ذليلا، ولكن الله لم يقهر به عباده وإن سجدوا لغيره وألحدوا، بل جعل الليل سكنا ورحمة على خلقه أجمعين، وعلى ذلك قس في بقية الأحوال، والواقع مليء بهذه الصور، صحيح أن هناك من يفسد الأحوال بجنونه وطيشه وعناده، ولكن لا يملكها إلا بتسليط من الله فهو جند من جنود الله على من يشاء من خلقه ليأدبهم ويجعلهم في توازن ولزوم للحدود.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال