الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يَستَنِدُ العمل في القطاع الحكومي على تقسيمٍ صريحٍ للذمم المالية بين الوزارات، حيث نَجِدُ أنَّ وزارة التجارة لها ذمةٌ مستقلَّةٌ عن وزارة التعليم مثلاً، رغم أنَّ ذمة كلا الوزارتَيْن يَصبَّانِ بالنهاية في الخزينة العامة.
هذا التقسيم الإداري والمالي بين الوزارات يهدف إلى تخصيص الميزانية الكافية لكل قطاع حكومي معين دون أن تختلط الموارد والنفقات بين الوزارات، حيث إنَّ هذا الاختلاط هو المُسبِّب الأول لهدر الأموال العامة، كما أنَّ عدم استقلال ميزانية كل وزارة عن الأخرى يؤدِّي إلى غموض النتائج المالية، وهكذا تندمج ميزانية الوزارة الناجحة مع المتعثِّرة، ويُصبحُ تقييم العمل الإدارية الحكومي شبه مستحيل.
لكن النقطة الجوهرية هنا، هي أنَّ عملية الشراء التي تقوم بها الوزارة (مثل وزارة التعليم) أو الجهة الحكومية ذات الشخصية والذمة المستقلة عن الوزارة (مثل الجامعة)، لا يجوز أن تتمَّ بموجب مفاوضات عادية ثم توقيع العقد.
بل إنَّ على أية جهةٍ حكوميةٍ أن تتقدَّم بعرضٍ عموميٍّ للشراء، وبعدها تنشأ منافسة بين الراغبين بالبيع حتى يتمَّ ضمان الحصول على أقلِّ سعرٍ في مقابل أعلى جودةٍ.
والسبب هو أنَّ الأموال التي يتمُّ صرفها لتنفيذ عملية الشراء هي أموالٌ عامةٌ في النهاية، لأنَّ أموال الوزارات والجهات العامة تُشكِّل بمجموعها محتوى الخزينة العامة، أي ببساطةٍ تُشكِّل أموال الدولة، ولا يمكن السماح بحدوث أيِّ خطأٍ أو ممارسةٍ غير مشروعةٍ من خلال المشتريات الحكومية قد تؤدِّي إلى هدر أو حتى اختلاس الأموال العامة.
وفي هذا الإطار يتم تطبيق النظام الجديد للمنافسات والمشتريات الحكومية في المملكة العربية السعودية لعام 1440هـ، وفي الكويت قانون المناقصات العامة رقم 49/2019.
فإذا كانت طريقة المنافسة مفروضةً على الجهات الحكومية كقاعدةٍ إلزاميةٍ عامةٍ لا تُؤثِّر في مدى أهلية الجهة الحكومية بالشراء، إلاَّ أنَّ صلاحية اتخاذ القرار النهائي بالبت بالمنافسة هي التي تُحدِّد وجود هذه الأهلية من عدمها.
وببساطةٍ، فإنَّ المُنظِّم يَملِكُ فَرْضَ آليةٍ معينةٍ للتعاقد مثل آلية المنافسات والمشتريات الحكومية، وهو أمرٌ تقتَضِيهِ المصلحة العامة؛ حِفَاظاً على أموال الدولة، لكن المُنظِّم إذا سَحَبَ من الجهة الحكومية صلاحية البتِّ بالمنافسة، فهو حينئذٍ يَسحَبُ منها أهلية الشراء رغم كونها مستقلةً مالياً.
ففي هذه الحالة، تملك الجهة الحكومية طلب الشراء وفق احتياجاتها، لكن الجهة التي تملك صلاحية البت بمسألة التعاقد لتنفيذ هذا الشراء، هي جهة حكومية أعلى.
وهذا هو الواقع في قانون المناقصات الكويتي 49/2019، حيث يقوم الجهاز المركزي للمناقصات بطرح المناقصة -أو المنافسة في النظام السعودي- ثم تلقِّي العروض والبتِّ فيها وإرسائها، فيما يكون للجهة الحكومية التي طلبت الشراء مُجرَّد تقديم هذا الطلب إلى الجهاز المركزي؛ على الرغم من أنَّ هذه الجهة يُفترض بها أهلية الشراء بالنظر إلى ذمَّتها المستقلَّة.
أمَّا في نظام المنافسات والمشتريات الحكومية السعودي؛ فقد كان النظام القديم -الصادر في 1427 هـ- ينصُّ على أن تقوم الجهة الحكومية بطرح كافَّة الأعمال والمشتريات الحكومية عبر منافسةٍ عامةٍ (م/6 نظام المنافسات القديم)، ثم تقوم هذه الجهة بإصدار قرارٍ أوليٍّ بالترسية خلال مدة سريان العروض (م/20 نظام المنافسات القديم)، إلاَّ أنَّ قرار البت النهائي بالمنافسة يكون للوزير أو رئيس دائرةٍ مستقلةٍ مُختصَّةٍ بإصدار هذا القرار (م/26 نظام المنافسات القديم).
وهكذا إذا كانت الجهة الحكومية صاحبة العرض هي جامعةٌ حكوميةٌ ذات ذمةٍ ماليةٍ مُستقلَّةٍ (م/3 نظام الجامعات 1443 هـ)، فعلى الرغم من استقلالها المالي ستكونُ مضطرةً لانتظار قرار الوزير بالبتِّ في هذه المنافسة.
وقد انتبه المُنظِّم السعودي إلى ضرورة منح الجهة الحكومية طالبة الشراء أهليَّتها الكاملة التي تستحقُّ بالبت في المنافسة التي تُعلِنُ عنها للجمهور، وهكذا فقد صدر نظام المنافسات الجديد لعام 1440هـ مانِحَاً رئيس الجهة الحكومية صلاحية البتِّ في المنافسات عبر نصٍّ صريحٍ (م/54-1 نظام المنافسات الجديد).
وحتى يَمنَحَ نظام المنافسات الجديد أهلية التعاقد بشكلٍ أكثر صراحةً، فقد عرَّف “رئيس الجهة الحكومية” بأنه هو الشخص: “المسؤول الأول في الجهة الحكومية” (م/1 نظام المنافسات الجديد)؛ مثل رئيس الجامعة بالنسبة للجامعة الحكومية المستقلَّة مالياً، بينما يمكن أن يكون الوزير هو رئيس الجهة الحكومية فيما يخصُّ المنافسات المُتعلِّقة باحتياجات مبنى الوزارة مثلاً.
وهكذا، إذا كانت المنافسة لمصلحة جامعةٍ حكوميةٍ تتمتَّع بالاستقلال المالي، فإنَّ لها كامل الأهلية للبتِّ في هذه المنافسة بقرارٍ يَصدُرُ من رئيس الجامعة.
هذا الموقف النظامي هو الأصل، حيث يجب أن يتمَّ منحُ الجهة الحكومية القدرة على الشراء، بالنظر إلى الذمة المالية المستقلَّة التي تتمتَّع بها.
أمَّا سَحْبُ هذه الأهلية من الجهة الحكومية ومنحها للوزير بشكلٍ دائمٍ، أو منحها لجهازٍ مستقلٍّ للمشتريات الحكومية، فهو استثناءٌ يُفضَّل عدم تطبيقِهِ؛ لأنه يُضيِّقُ من الصلاحيات المالية القانونية للجهات الحكومية ويَزِيدُ من مستوى المركزية الإدارية، تلك المركزية التي تؤدِّي إلى انتشار الروتين والبطء في القرار الإداري، وهو أكبرُ عائقٍ أمام تَطَوُّر الجهات الحكومية ونموِّ أعمالها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال