الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في طفولتي خلال فترة التسعينات كان السفر خارج المملكة حكراً على الأسر ميسورة الحال ولا زلت أتذكر تحلقنا أطفال الحي حول أحد أقارب جيراننا كان عاد للتو من رحلة مع والديه لجمهورية مصر العربية ووقف قاصاً علينا مشاهدته لأشهر فناني وفنانات الوطن العربي حينها على النيل في حالة اندماج تام من الأطفال مع حديثه وكأن على رؤوسهم الطير، لكن لماذا كان ذلك الترقب بلهفة لأخبار مصر؟
لم نكن من الطبقة الاجتماعية التي تقتني المجلات الفنية والصحف باستمرار بل كنا نستمتع بالصندوق الفضي وقناتيه الأولى والثانية كوسيلة ترفيه أبلغ من وصفها أسماها “ترفيه البسطاء” الذي عرفنا باللهجة المصرية والأهرامات والنيل وعادل إمام وحسن حسني وعمرو دياب وهاني شاكر والرفاق.
الصندوق الفضي الذي فتح لنا الثقافة الكويتية (إن شئت) ووصفنا البخيل بـ “بوهباش” والمشاء بالنميمة “أم عليوي” وأوهمني شخصياً بأن الكويت بلد المليون شركة والعجيب أنني صدقت ذلك حتى تجاوزت العشرين من عمري وزرت الكويت لأكتشف أن لا شركات بالكم الذي تصورت ولا كويتيون يعملون بها ولا هم يحزنون والأهم أن لم (يبوقني) أحد بل وجدت كل الحفاوة والتقدير.
أدركت صعود الأطباق الفضائية خصوصاً بعد غزو العراق ٢٠٠٣ والترقب للأخبار وعاصفة الدراما التركية لكنني بفضل الله لم أضع السنوات في متابعة “سنوات الضياع” وبالطبع عشت إلى أن رأيت الأسر السعودية متوسطة الدخل تحمل حقائبها ليس فوق ظهر “الجمس” إلى الدمام هذه المرة لكن فوق ظهر “بوينج” الخطوط السعودية إلى إسطنبول، لكن ماذا جذبهم إلى تركيا ذلك الحين؟
نعم هي الشاشة الفضية، فقد استغل الأتراك مسلسلاتهم خير استغلال بإظهار مواقع الجذب السياحي كخلفياتٍ ومواقع تصوير في تسويق سياحي غير مباشر لبلد لم نكن نعرف عنها إلا “الشاورما” وأغنية بدر الغريب “الله من قلبٍ غدى في اسطنبول” ليتدفق عليها السياح الخليجيون زرافاتٍ ووحدانا بعد عاصفة المسلسلات جالبين لهم عائداً اقتصادياً لا يستهان به.
اليوم نعمل على تطوير قطاع السياحة وتشجيع الآخرين لزيارة المملكة والتعرف على مواقعها السياحية وثقافتها وتضاريسها الجميلة والعمل جارٍ على قدم وساق لإنجاز مشاريع نوعية تخلق تجارب غير مسبوقة في “نيوم” و “البحر الأحمر” و “القدية” وغيرها لكننا للأسف حتى الآن لا نمتلك شاشةً تتناسب وحجم الطموحات والتحديات في المرحلة القادمة. الصناعة الدرامية والسينمائية السعودية تحتاج إلى استراتيجية وطنية للترويج للسياحة ولا يعيب أن نستعين بخبرات من سبقونا في الصناعة من الشرق والغرب لننهض بالقطاع فمسلسلاتنا ما زالت تعيش في دوامة حرب التيارات والإسفاف وتقليد التافهين بل للأسف تظهر السعودي أحياناً بمظهر لا يليق به ولا يعكس واقعه واعتزازه بهويته وقيَمه وكما يقول المصريون “خذ الكبيرة بقى” أن جلها من كلها لا يتم تصويرها من الأساس داخل المملكة.
ختاماً، لم ينتهِ زمن التلفزيون بعد بل تطور إلى منصات الوسائط المتدفقة عبر الإنترنت التي يشترك بها مئات الملايين حول الكوكب بتطبيقات على هواتفهم وإن لم نواكب ونكشف للعالم كنوز ثقافتنا عبر الشاشة ونقدم ما يشدّهم ويدفعهم لزيارتنا فهو والله الخسران المبين، هوليود قدمت أمريكا مختلفة عن أمريكا، تركيا قدمت سياحة تخفي المخاطر الأمنية والأحقاد التاريخية تجاه العرب، الكويت قدمت شركات قطاع خاص توظف المواطنين بدلاً عن الحكومة تحلم إلى اليوم بوجودها، نحن لا نحتاج إلى أيٍ من ذلك، فقط نحتاج لأن نظهر كما نحن. كان يفعلها “طاش” واليوم “ماش” وبالمناسبة تحتفظ مكتبة الكونغرس الأمريكي بنسخ من هذا العمل العظيم لعلمها تماماً بقيمته التاريخية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال