أبها أم لندن؟

في أحد مساءات كارولينا الشمالية الهادئة وقبل الغروب في وقتٍ يسميه أهلنا “حزة الشياطين” سوّلت لي نفسي عمل مقارنة بين أفضل الوجهات السياحية الصيفية بالمملكة ولندن.

شخصياً، لا أعرف تحديداً لماذا وقع اختياري على لندن ولكن ربما لأنها أحد أشهر الوجهات السياحية العالمية ودعني أكون صادقاً معك ربما لعلمي المسبق بغلاء المدينة التي تعتبر ضمن أكثر ٢٠ مدينة غلاءً حول العالم في معظم مؤشرات القياس ولكن رغم أن اختيار لندن كان انحيازاً وطنياً من عقلي الباطن لإمالة الكفة للوجهة السعودية الصيفية السياحية المتعارف عليها داخلياً المدينة العزيزة أبها إلا أن النتائج جاءت صادمة للأسف.

اعتمدت في هذه المقارنة على أربعة عوامل أساسية في كل رحلة سياحية وهي: أسعار التذاكر، الإقامة الفندقية، المعيشة وأخيراً المواصلات.

فيما يتعلق بأسعار التذاكر قررت أن يكون الإقلاع من العاصمة الحبيبة الرياض في منتصف أغسطس وقيضه ذهاب بلا إياب فكان سعر التذكرة قرابة 306 ريال إلى أبها. 

في المقابل كان سعر التذكرة إلى لندن قرابة 950 ريال على متن ناقل جوي عربي مع توقف واحد لسويعات في أحد العواصم العربية بدون حساب سعر التأشيرة السياحية للمملكة المتحدة والتي تحوم حول حمى 499 ريال.

بعد ذلك، قمت بعمل بحث سريع حول فنادق الخمس نجوم في أبها كسعي لجعل التجربة أكثر جودةً وأريحية فاكتشفت أن مدينة أبها لا تحوي سوى فندقين من فئة الخمس نجوم لا يتجاوز تقييم كليهما 7 من 10بسعر لأفضلهما مراجعة من النزلاء يقترب من 1000ريال/ليلة بينما لأحد أعلى فنادق الخمس نجوم تقييماً في لندن بحوالي 9 من 10من مئات النزلاء كان السعر في حدود 930 ريال/ليلة ولا يبتعد أكثر من كيلومترين عن قلب مدينة لندن النابض!

نأتي إلى المعيشة، فهنالك مؤشر رائع يعتد به عالمياً في قياس أسعار المعيشة في بلدان العالم وإن يكن عفى عليه الزمن ولكنه لا يزال يقدم تصوراً لا يستهان به حول القوة الشرائية وأسعار الأطعمة بشكل عام في بلدٍ ما ألا وهو مؤشر سعر وجبة “البق ماك” لدى مطاعم ماكدونالدز الشهيرة فكانت النتيجة أن سعر الوجبة في السعودية بحدود 19ريال مقابل قرابة 23 ريال في المملكة المتحدة.

بخصوص المواصلات، لا تمتلك أبها حتى الآن شبكة نقل عام ترتقي لتطلعات السائح والخيار الأفضل له في تنقلاته بها هو استئجار مركبة ويتراوح السعر بين 120و 150ريال/يوم للمركبات الصغيرة. على الجانب الآخر تمتلك لندن أحد أقوى شبكات النقل العام من مترو الأنفاق والحافلات المساندة التي تأخذ السائح إلى كافة أرجاء المدينة مع تجربة مشي مميزة بحكم أن لندن مدينة مشائين أكثر من كونها مدينة مركبات وهذا جزء من سحرها السياحي وتكلفة استخدام النقل العام بها  بين 100و 150ريال لكافة التنقلات اليومية الاعتيادية للسائح في المدينة.

في الحقيقة، يبدو لي أن المقارنة بين المدينتين مجحفة لحد كبير لأبها بحكم حداثة المدينة نسبياً وبحكم أنها لا تزال طور التطوير ضمن استراتيجية منطقة عسير التي أطلقت مؤخراً والتي أجزم أنها ستغير وجه المنطقة عموماً وأبها خصوصاً للأفضل وستعالج كافة الإشكاليات من ناحية الأسعار والإيواء والنقل العام والفعاليات وكل ما يسهم في تحسين تجارب السياح وليس أدل على ذلك من أن سمو ولي العهد يولي شخصياً اهتماماً بالغاً بهذا الملف كما أعلن سمو أمير المنطقة في لقاء سابق له.

ختاماً، أنا أؤمن وبشدة بمبدأ تحفيز الاقتصاد وإن خيّرت بين المدينتين سأختار أبها فماذا عنك؟.