الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كما أن الخطأ الطبي يحصل في التشخيص وفي وصف الدواء على ما أسلفنا في مقالات سابقة؛ يحصل أيضاً أثناء العمليات الجراحية. وغالبًا ما يحدث في غرف العمليات، فقد عُوّض رجل من ولاية وايومنغ 1.175 مليون دولار أمريكي لأن الأطباء أزالوا – خطأً – شيئاً في سلسلة الفقرات لمنطقة العنق أثناء جراحة العمود الفقري. وفي هذا المقال نتناول أخطاء متنوعة التي حصلت أثناء إجراء عملية جراحية، ورغم كثرتها إلا أن المقال سيقتصر على بعض الأمثلة فقط.
المثال الأول، خطأ في إزالة أنبوب التنفس الصناعي:
أُحيل المريض (واتكينز) إلى الدكتور إليشار (طبيب جراحة) وشخّصه بوجود انحراف في الحاجز الأنفي، وأنه ممكن تعديله بعملية جراحية. فسأله المريض عن الفريق الطبي الذي سيجري العملية، فأخبره أن ذلك بحضوره شخصياً مع مساعدة أطباء مقيمين ( أطباء تحت التدريب في مرحلة التخصص). وفي صباح يوم العملية أُحضر المريض، وكان أيضاً هناك عدة مرضى سيجري لهم الطبيب عمليات جراحية بواقع أربع عمليات في يوم واحد في غرفتي عمليات متجاورتين. وقد شارك طبيب التخدير (الدكتور بوبوفيتش) في التنقل بين الغرفتين مع مساعدة ممرضة التخدير في حال غيابه في الغرفة الأخرى.
ولا ضير في إجراء أكثر من عملية في اليوم، إذ المتعارف عليه في المستشفيات التعليمية أن الاخصائي لا يقوم بإجراء العمليات جميعها باستثناء المعقدة منها، حيث يتولى الأطباء تحت التدريب شؤون العمليات المتوسطة والصغيرة ويكون في العملية الواحدة طبيب متدرب أكثر خبرة يشرف على طبيب متدرب آخر أقل خبرة. وقد يجري الطبيب المتدرب الأكثر خبرة العملية ويشرح ذلك الإجراء للطبيب الأقل خبرة. ويكون دور الأخصائي هو الإشراف والتنقل بين الغرف وجاهزاً حال استدعائه في أي غرفة، وكذا الحال بالنسبة لاخصائي التخدير. إلا أنه أثناء هذه العملية، التي بدأت في الساعة 7:30 صباحًا وانتهت في الساعة 11:10 صباحاً، نزع ممرض التخدير أنبوب التنفس الصناعي (أنبوب تنفس صناعي يوصل بين الرئتين ) في حوالي الساعة 10:30 صباحاً ثم نُقل المريض بعدها إلى وحدة العناية المركزة. وفي الطريق إليها كان معدل ضربات قلب المريض 85 نبضة في الدقيقة ثم انخفضت إلى 50 ثم إلى 30 نبضة في الدقيقة، وهو معدل يهدد الحياة. وقد أظهرت الأدلة المقدمة – لدى المحكمة – أن الطبيب الجراح هو المسؤول عن مراقبة المريض طوال العملية بأكملها، بما في ذلك إجراءات ما بعد الجراحة. وأنه لو كان موجوداً أثناء نزع الانبوب لمنع نزعه مبكراً، مما يثبت معه حالة إهمال طبي.
المثال الثاني، جراحة خاطئة للمريض:
في مستشفى (ساوث وسترن كنتاكي بابتيست ضد بروس) أجرى طبيب عملية جراحية لمريض رغم إبلاغه عند بدء العملية بأن المريض الملقى على السرير ليس هو المعني بالعملية إلا أن الطبيب لم ينتبه لذلك مكتفياً بفحص سوار التعريف الخاص على المريض. لذا قدم المريض دعوى ضد سوء الممارسة واستعاد 10000 دولار من الطبيب و90 ألف دولار من المستشفى. ولم يُقبل تبرير خطأ الطبيب الجراح وطبيب التخدير وفني الجراحة في تحديد هوية المريضة الصحيح. ورأت المحكمة العليا في كنتاكي أن الحكم لم يكن مبالغًا فيه نظرًا للإصابات التي تسببت في جراحة بطول 4 بوصات على رقبة المريض والذي أصيب بعدوى مما تطلب جراحة تجميلية.
المثال الثالث، جراحة في المكان الخطأ:
في قضية هولسوورث ضد غالار كان مريض يعاني من ورم سرطاني بطول 2 سم في الجانب الأيسر من القولون. ولسوء الحظ، أجرى الطبيب العملية الجراحية في الجانب الأيمن لإزالة الورم حيث أزال الطبيب الجزء الأخير من الأمعاء الدقيقة مع كامل القولون الأيمن. وحين أدرك الطبيب خطأه أجرى – بعد ثلاثة أيام – العملية المقصودة في الجانب الأيسر، فأصيب المريض بمضاعفات وتوفي بعد ستة أسابيع.
وفي قضية أخرى ( قضية جونز ضد مالينوفسكي) اشتكت امرأة حامل إلى المستشفى عن سبب حملها رغم أنها أجرت عملية سد قناة فالوب لمنع الحمل بعد ولادة طفلها الثالث، لأن طفلها الأول جاء عن ولادة معقدة، والطفل الثاني يعاني من تلف في الدماغ، والثالث يعاني من أمراض القلب. ولأسباب اقتصادية طلبت منع الحمل، لذا خضعت حينها لعملية لسد قناتي فالوب بالكي. لكنه بعد التحقق تبيّن أن الطبيب قد أخطأ في التعرف على الأنبوب الأيسر فكوى الجزء الآخر تاركاً الأنبوب الأيسر سليمًا. ونتيجة لذلك، أصبحت مالينوفسكي حاملاً. وقد اقتنعت محكمة الاستئناف باسترداد تكاليف تربية طفل سليم، وتركت تقدير ذلك إلى هيئة المحلفين.
المثال الرابع، نسيان أجزاء من أدوات العملية في المريض:
في قضية مارتن ضد مستشفى بيرث أمبوي العام، رفع مريض دعوى على المستشفى وجراح القلب والممرضات لنسيان شاشة في بطنه ( قطعة قماش تسخدم عند عملية فتح البطن لأغراض طبية منها التنظيف. وتقع مسوؤلية عدّ الشاش على الممرضة محضرة العملية حيث عليها حساب قطع الشاش عند نهاية العملية للتأكد من إخراج جميع القطع) . لكن ما الذي حصل؟
الطبيب الجراح الدكتور ليف أجرى العملية بمساعدة طبيبين آخرين وممرضتين، وقبل إحضار ضمادات البطن إلى غرفة العمليات، وضعوا شريطاً من مادة خاصة في الأشعة لاستخدامها في إظهار أي قطعة شاش لو تُركت في البطن، وتم ربط علامات لمنع حدوث أخطاء في العدّ من طرف الممرضات. وبتوجبه من الطبيب أزالت الممرضات الحلقات حيث أشار الشريط – في نهاية العملية – إلى عدم فقد أي قطعة من الشاش. كان الطبيب الجراح مسؤولًا بالقدر نفسه مع المستشفى عن إهمال الممرضات في حساب قطع الشاش. ودافع الطبيب بأن ذلك يتعارض مع قرارات الدولة حيث لا يدخل ذلك ضمن مسؤولياته. إلا أن المحكمة أجابت بأنه لو لم يأمر الممرضات بإزالة العلامات، لكان اعتبار مسؤوليته معارضاً لقرارات الدولة القضائية. لكنه ونظراً إلى أنه هو الذي أمرهن بإزالة الحلقات فإنه بذلك قد أبعد الضمانات التي وفرها المستشفى لضمان العد المناسب من قبل موظفيه، وأصبح الطبيب هو صاحب العمل المؤقت أو الخاص. ومعلوم أن للأطباء إجراء تغيير على سياسات المستشفى أثناء العلميات الجراحية ، بيدَ أن ذلك يبقيهم تحت طائلة المسؤولية عن أفعالهم إذا أدت إلى إصابة المريض، حتى ولو كان إجراؤها من طرف موظفي المستشفى.
المثال الخامس، العلاج بإجراء يخالف العرف الطبي:
في قضية أوزمنت ضد ويلكرسون، كانت السيدة ويلكرسون تعاني من مرض كرون، وهو مرض مزمن يصيب القولون والأمعاء الدقيقة. وإحدى طرق علاجه هو السماح للجهاز الهضمي للمريض بالراحة، وهذا يعني عدم تناول المريض لأي طعام. ولتعويض الطعام احتاج الطبيب إلى إعطاء المريض محلولًا من السعرات الحرارية المركزة عن طريق الوريد بقسطرة وريدية مركزية في الجسم. إلا أنه أدخل القسطرة بطريقة خاطئة حيث كان عليه أن يضعها في الوريد الأجوف العلوي دون أن تمتد إلى القلب، لذا قيل إن ما فعله الطبيب انحراف عن معيار الرعاية الصحيحة.
ويتلخص مما سبق أن الأخطاء الجراحية متنوعة ومتعددة وقد تحصل أخطاء جديدة لم تحدث سلفاً. ويبدو أيضاً أن الإهمال في تحضير العملية الجراحية وتجهيز أدواتها هي القصة التي لا تنتهي. إذ لا نزال نسمع عن حالات متكررة سواء في إجراء عملية جراحية خاطئة أو عدم اتباع المعايير المعروفة أو اختيار الموضع الخطأ من الجسد لإجراء العملية. وأشد من ذلك إجراء عملية جراحية في جسد غير جسد المريض المقصود. يُضاف إلى ذلك نسيان أدوات أو نحوها في الجسد مع أخطاء خفية لا تُكتشف إلا بعد خروج المريض من المستشفى بوقت قريب أو بعيد. وسنتعرف في مقال قادم – إن شاء الله – على الحالات التي لا يُعد فيها الطبيب مسؤولاً حتى ولو حصل خطأ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال