الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن طريق النجاح المؤدي إلى السعادة يتغلغل فينا منذ سن مبكرة. نبدأه بمرحلة التعليم، وبمجرد إنتهائنا من التعليم ودخولنا عالم العمل، سيُقال لنا مرارًا وتكرارًا أنه إذا ركزنا واستمرينا في المنافسة وتسلق سلم المهنة التي اخترناها، سنكون ناجحين. وستكون مكافأة هذا النجاح هي الترقية في الوظيفة والحصول على المنزل والسيارة وشريك أحلامنا والافتراض هو أننا في النهاية سنكون سعداء.
هذه هي الطريقة التقليدية التي يتخذها أغلب البشر، والتي يواصلون بها البحث عن السعادة باستمرار وينسون حياتهم اليومية. ولا عجب أن تبدو الحياة وكأنها عابرة بسرعة، إذا كنا جميعًا منغمسين في مثل هذه المساعي التي يضرب بها المثل في كل مجلس. إن انشغالنا بالسعي وراء السعادة هو الذي يجعلنا غير سعداء. نستمر في وضع معايير معينة للسعادة التي نعتقد أنها ضرورية، لكن هذا البحث والنضال من أجل تلك السعادة المراوغة لنا دائمًا والغير مثمرة تمامًا. وبصراحة ما نصل إليه وننجح في تحقيقه هو الرتابة أو الروتين، لذلك دائماً يكون أسلوب الحياة ممل وباهت.
نستمر في البحث عن نتائج محددة، وبهذا ننسى أن كل شيء لا يسير دائمًا وفقًا لخططنا التي نسردها كل سنة، كما أن بعض الضروف قد تحدث، وتتغير معها الأولويات. وكونك مفرطًا في الهوس وإسناد السعادة إلى نتائج محددة سيؤدي ببساطة بك إلى الإحباط. كما تؤدي خيبة الأمل من عدم تحقيق النتيجة المتصورة مسبقًا إلى عقلية سلبية، وهي غير مرغوب فيها تمامًا وغير صحية. لذلك لا يوجد إنسانان متساويان، ومن الصحيح التوقف عن الإيمان بمعيار واحد لتحقيق النجاح.
لكن النجاح أيضًا يشبه الإدمان في تأثيره على العلاقات الإنسانية. ويضحي الناس بتواصلهم مع الآخرين من أجل أعمالهم وتحقيق نجاحاتهم. ونراهم يعملون في الإجازات الرسمية وأوقات الأعياد السنوية، ويتخلفون عن المناسبات العائلية بسبب العمل لساعات طويلة. ويتخلى البعض منهم عن الزواج بسبب وظائفهم – ويكسبون لقب “متزوج العمل”.
لسوء الحظ، النجاح أمر عبثي ولا يمكن أن يرضي الطموح، ولن يشعر معظم الناس أبدًا “بالنجاح الكافي”. عندما تنجح قد تستمر في القمة ليوم أو يومين فقط، وبعد ذلك تنتقل إلى الهدف التالي. يسمي علماء النفس هذا الشعور بالمطحنة اللذيذة، حيث يتلاشى الرضا على الفور، حيث يجب أن ننتقل إلى المكافأة التالية لتجنب الشعور بالتخلف عن الركب. هذا هو السبب في أن العديد من الدراسات تظهر أن الأشخاص الناجحين يشعرون بالغيرة دائمًا من الأشخاص الأكثر نجاحًا.
الفكرة العامة التي يؤمن بها الناس هي؛ أنه إذا عملت بجد، فستكون أكثر نجاحًا. وإذا كنت أكثر نجاحًا، فستكون سعيدًا. الحقيقة هي أنه في كل مرة نحقق فيها النجاح، يعيد الدماغ تشكيل معلم جديد للنجاح. تعمل بجد لكي تحصل على ترقية في العمل، بعد تحقيق ذلك؛ تشعر بالحاجة إلى كسب دخل أكبر. الهدف دائما ما يراوغنا، وتتغير توقعاتنا باستمرار ونهدف إلى مستوى الكمال بشكل أكبر من ذي قبل.
لذلك يجب أن نعثر على على المقاييس الصحيحة للنجاح في الحياة. فإذا كنت تقيس نفسك فقط من خلال المكافآت الدنيوية من المال والسلطة والهيبة، فسوف تقضي حياتك في الجري في حلقة مفرغة من المتعة وتقارن نفسك بالآخرين. بناء الحياة الناجحة قد لا يعتمد على هذه المقاييس، فهو برأيي يعتمد على بناء الأسرة وتكوين الصداقة وتقوية الإيمان، بالإضافة للعمل – ولكن ليس العمل من أجل الإنجاز الخارجي فقط. يجب أن يكون العمل الذي يخدم الآخرين ويمنحك إحساسًا بالرضى الشخصي.
أفضل نصيحة أراها هنا هي التوقف عن التوق إلى المزيد من الحصول على الأفضل والسعي وراء النجاح دون النظر لما بين أيدينا من نعمة. إذا كنا غير قادرين على التحقق من رغباتنا، فلن نتمكن من تقدير ما لدينا بشكل صحيح. وكما قيل “القناعة تكون بالقلب؛ فمن غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يتسخطْ وعاش آمنا مطمئنا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال