شَهِدَ عام 2021 انتعاشاً على شتَّى القطاعات الاقتصادية بعد بدء التعافي من أزمة التباطؤ المالي والاقتصادي العالمي التي رافقت انتشار فيروس كوفيد-19 عام 2020.
وكان من آثار هذا الانتعاش عودة الروح مُجدَّداً لواحدٍ من أكثر الأقسام السوقية أهميةً واستراتيجيةً لأية سوقٍ ماليةٍ كبرى، ألا وهي سوق الإصدار.
تعني سوق الإصدار تلك السوق التي يتمُّ فيها طرح الأوراق المالية لأول مرةٍ، مثل سوق الاكتتابات للأسهم الصادرة حديثاً عن الشركات المساهمة العامة، وقد يتبع هذا الطرح إدراج في السوق المنظمة الأساسية أو الموازية.
يدلُّ نشاط هذه الطروحات على حدوث انتعاشٍ النشاط التشغيلي للشركات المُصدرة للأسهم، هذا الانتعاش الذي يدفع الشركة نحو التفاؤل والشعور بالحاجة إلى المزيد من الأموال لتوسيع نطاق أعمالها والبدء بخطَّةٍ تشغيليةٍ أكثر اتِّساعاً وعُمْقَاً، وهكذا تَسعَى هذه الشركات للحصول على الأموال التي تحتاجها من الطرح الأولي للأسهم الجديدة في سوق الإصدار.
وفي التقرير السنوي لهيئة السوق المالية عن عام 1442/1443 هـ – 2021 م، فقد جاء أنَّ العام الماضي قد كان شاهداً على موجة كبيرة من طروحات الشركات، وكان بعضها في السوق الرئيسي والموازي، حيث شَهِدَت السوق الموازية السعودية أول طرحٍ عامٍّ ثانويٍّ في تاريخها عام 2021 (التقرير، صـ98).
حتى أنَّ نسبة الفرق بين طروحات عام 2021 وطروحات العام السابق 2020 وصلت إلى نسبةٍ خياليةٍ، وهي 385.8% في السوق الرئيسي والموازي (صـ98، التقرير)، ونسبة 456.8% في السوق المالية كَكُلٍّ (صـ99، التقرير).
وفي هذا الموضوع علينا التركيز على النقاط التالية:
- اتِّساع نطاق الطروحات على مستوى قطاعات الاقتصاد: فإذا طَالَعنَا القطاعات الاقتصادية التي تَنتَمِي الشركات المُصدِرَة لأسهمٍ جديدةٍ عام 2021، وجدنَاهَا تَنتَمِي إلى قطاعات المياه، والطاقة، والسيارات، والغذاء، والإنترنت، والمقاولات، والتمويل، وغيرها (صـ50، التقرير)؛ وهي قطاعاتٌ تتوزَّع على كافَّة التصنيفات الاقتصادية من قطاع إنتاجٍ حقيقيٍّ أو خدميٍّ.
- اتِّساع نسبة الطروحات بالمقارنة مع الأسهم الصادرة: يَصعُبُ معرفة القيمة السوقية للطروحات من قيمتها المالية فقط، بل يجب النظر إلى نسبة الطرح الجديد بالمقارنة مع الأسهم الصادرة قديماً. فإذا طالعنا هذه النسبة في السوق المالية وجدناها تصل إلى 35% في إحدى الشركات عن طروحات عام 2021؛ أي أنَّ بعض الشركات قد أصدرت أسهماً جديدةً بما يُقارِب من ثلث أسهمها القديمة، وهي نسبة عالية توضح البيئة الإيجابية التي كانت سائدة في سوق الإصدار العام الماضي.
- ندرة عدد الشركات المالية التي طَرَحت أسهماً جديدةً: فقد جاء في تقرير الهيئة أنَّ شركة تمويلٍ ماليٍّ واحدةٍ فقط قامت بتنفيذ طرحٍ لأسهمٍ جديدةٍ، وهذا يدلُّ على أنَّ التباطؤ والانكماش الذي بدأ عالمياً مع أزمة كوفيد-19 ما زال يُرخِي بآثاره على شكل حَذَرٍ من توسيع النشاط في القطاع المالي.
بالمقابل، يمكن إبداء بعض الملاحظات على طروحات عام 2021:
- الحذر من المبالغة في التفاؤل؛ لأنَّ الانتعاش في الطروحات العامة جاء مدفوعاً بشكلٍ جوهريٍّ جرَّاء البدء بالتعافي من أزمة كوفيد-19 مع نهاية عام 2021، وليس ناتجاً فقط عن نموِّ في السوق.
- الحذر من الطرح الجائر في مواجهة الطلب الضعيف؛ يجدر التأكيد في هذا المجال على ضرورة الانتباه إلى أنَّ الطرح الجائر قد يؤدِّي إلى نتائجٍ عكسيةٍ، والسبب أنَّ الطرح يعني زيادة العرض، هذه الزيادة التي تؤدِّي -بفعل قانون العرض والطلب- إلى انخفاض القيم المطروحة إن لم يكنْ هناك طلبٌ كافٍ على الطرف المقابل من السوق.
- الحذر من الطرح الذي يتجاوز اتساع السوق؛ حيث يمكن أن تتجاوز الطروحات الواسعة حجم السوق، أي أن تؤدِّي إلى نشر سيولةٍ تُمثِّل قيمةً سوقيةً صادرةً عن الشركات مثلاً، ذلك بما يتجاوز قدرة السوق على تحريك هذه السيولة، أي عدم وجود قدرةٍ على طرف الشراء، وهذا قد يؤدِّي إلى ركود الأسهم المطروحة في سوق المال نتيجة ضعف سيولتها.
بناءً عليه، يمكن تجاوز السلبيات المذكورة والاستفادة من إيجابيات ظروف ما بعد جائحة كوفيد-19، عبر ما يلي:
- دراسة طرف الطلب الحقيقي في سوق المال، ومحاولة قياس سيولته المُتَوَقَّعة مع تقليل الاعتماد على الظروف الإيجابية المُرتَبِطَة بالتعافي من أزمة كوفيد-19.
- السماح بالطروحات في جانب العرض بشكلٍ أقل من توقُّعات حجم الطلب، فيتمُّ ترك هامشٍ من الطلب دون استجابةٍ من الطرح؛ وذلك حتى يَبقَى جانب العرض أقلَّ من الطلب، وهكذا تكون مخاطر انخفاض السوق وضعف السيولة أقل.