الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“الكل كان يمارس نفس الشي”، قال الرجل الستيني “رعد” كلماته هذه ولغة جسده كانت تظهر عدم اقتناعه داخلياً بما يقول، فهو المتهم باختلاس مبالغ تزيد عن عشرة مليارات دولار من احدى دول الشرق الأوسط، ومع الأسف أنفق نصف امواله بين رشاوي لحكومة دولة المهجر؛ وبين محامين ومرتزقة داعمين بتويتر، وبين صالات القمار التي أدمنها منذ سنوات بسبب سهولة إنتاج المال في أيام عمله كوزير شرق اوسطي، والتي زرعت داخله صورة بأن المال مجرد دوائر بلاستيكية صغيرة، والحياة هي طاولة القمار، ودوران الأيام يشبه عجلة الروليت!
كان “تالد” ابن رعد البكر شاباً منضبطاً لدرجة ان رعد كان يخطط لتهيئته لمنصب حكومي في حكومة الشباب الجديدة، لكن خطته لم تكتمل، بسبب بدء قانون “من أين لك هذا” في الدولة الشرق الاوسطية، مما أدى لتغير كل شيء حرفياً. لم يكن الابن تالد طامعاً في المال، لكنه مثل ابيه، تعود على المال السهل الذي يأتي دون عمل أو إنتاج او تعب، وأصبح مستعداً للقتال حتى الرمق الاخير من أجل الدولارات التي أصبحت بالنسبة لعائلتهم، هي الوطن والأرض، والدين ايضاً مع الأسف.
صرخ تالد وجحظت عيناه وهو ينظر إلى شاشات تعرض نتائج البورصة في قصر والده المنيف في دولة المهجر، وأصبح يضرب وجهه كالمجنون، ويقول: انا حرامي ابن حرامي، اخذ الله اموالنا الحرام. تدور الكاميرا نحو الشاشة لتظهر انخفاضاً كارثياً حصل في الأسواق العالمية لم يكن له مثيل من عشرات السنين، وليست هذه مشكلة بطبيعة الحال، للمستثمر طويل الأجل، لكن مشكلة تالد ورعد، في القروض التي كشفت حساباتهم ومحافظهم أمام البنوك، والتي ذهبت جلها في صالات القمار.
مرت الايام ثقيلة وكأنها سنوات، وكان رعد يحلم يومياً بأنه طير له أجنحة كبيرة ولكنه محبوس في قفص ذهبي، فيحرك اجنحته بقوة فترتطم وبالقوائم الحديدية للقفص ويرتطم منقاره في سقف القفص، فيصحو من النوم مفزوعاً ويرى انه مازال انساناً، لكنه أيضاُ داخل قفص ذهبي، فحكومة المهجر حددت تحركاته والزمته بدفع مبالغ ضخمة للحراسة، كما انهم يسحبونه كالجثة كل فترة للاستضافة في لقاءات تلفزيونية ينعتونه فيها بالجاسوس والمختلس ويجبرونه على قراءة نص معد مسبقاً يسيء فيه لنفسه وبلده ويدمر المتبقي من سمعته. ماهذه الحياة التعيسة!! لشخص يملك ما يزيد عن 10 مليارات دولار.
“ابي، كل الارقام تقول اننا سنفلس بعد أقل من سنتين” قال تالد هذه الكلمات وشعره يكاد يمتليء بالشيب، رغم انه شاب في العقد الثالث، لكن ما رآه هذه الفترة من حياة تحت سيف الخوف من صباح كل يوم جديد، لأن الحزب الحاكم في حكومة المهجر حالياً هو حزب يبيع الأمان لمن يدفع اكثر، ولكنهم ايضاً ليسوا تجاراً حقيقيين يلتزمون بكلمتهم، هم مجرد مسؤولين فاسدين لحكومة مؤقتة، وبإمكانهم إعادة بيع رعد بسهولة للتخلص منه بعد أن أصبح كرتاً محروقاً. وهو يعلم بانتهاء صلاحيته لانه فقد نسبة تصل إلى 70% من صافي الأصول إضافة إلى ارتفاع الفوائد على القروض تراكمياً مما سيؤدي حتماً إلى افلاسه بسبب عدم مقدرته على الوفاء بدفعات سداد القروض استناداً على الانحدار المتوقع بالسوق في 2024م.
سحب تالد والده رعد عنوة من تلابيبه، بعد أن كان غارقاً في شرب الخمر، واجبره على الإمساك بقلم لتوقيع خطاب موجه لرئيس بلاد المهجر يتضمن اعترافاً بالفساد وطلب التسوية الكاملة واعادة كافة الأموال المسروقة لبلاده الأم في الشرق الأوسط، وأصبح رعد يصيح رافضاً وصوته كخوار الثور من أثر الثمالة، وصل تالد إلى ضرب والده رعد على وجهه ليفيق، وهو يصرخ “ايها الثمل اللعين .. انت من وضعتنا في هذه الورطة” وبعد أن وقّع رعد الخطاب مجبراً وجد نفسه يصاب بلكمة خطافية من يد ابنه تالد، وسمع بعدها خطوات تالد المستعجلة وهو يغادر القصر، ذهبت اللكمة برعد إلى عالم اخر، إلى ما يشبه الجنة، ولكنها جنة ذكريات عاشها فعلاً، تذكر القصر المنيف، السيارات الفارهة، الطائرة الخاصة، رائحة العود والعنبر، الممرات الواسعة، جلسات مجلس الوزراء، ثم تذكر نفسه وهو واقف للقسم أمام قائد بلاده المهيب، وتذكر السلام الوطني العظيم والعلم الأعظم لبلاده يرفرف، واغروقت عيناه بالدموع وهو يتمتم بالنشيد الوطني لبلاده، وآخر ما رآه في تلك اللحظة، هو مشهد القوات الخاصة بدولة المهجر، تدخل القصر بإعداد كبيرة لتلقي القبض عليه، بعد احتراق الكرت وانتهاء الصلاحية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال