الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رغم أنه فقط في عام 1976 ، ظهر مصطلح “حوكمة الشركات” لأول مرة في السجل الفيدرالي ، الجريدة الرسمية للحكومة الفيدرالية الأمريكية ، إلا أن مفهوم الحوكمة دون لفظه كان معمولاً به بشكل أو بآخر في الشركات الأمريكية تحت أثرين هامين : الأول يتعلق بالاصلاحات الحكومية بعد الكساد الكبير قبل الحرب العالمية الثانية ، والآخر نتيجة للنمو الكبير في الشركات الأمريكية بعد الحرب.
ويعود سبب ظهور مصطلح ” حوكمة الشركات ” بتعريفه الحديث نتيجة لانهيار شركة شركة ” بن سنترال ” وافلاسها عام 1970م . ففي عام 1974 ، رفعت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية دعوى قضائية ضد ثلاثة اعضاء في مجلس ادارة الشركة بتهمة تحريف الحالة المالية للشركة وضد مجموعة واسعة من المديرين التنفيذيين في “بن سنترال ” بسب سوء الاستغلال للسلطة والفساد. وبعد صدور مشروع حوكمة الشركات بدأت الشركات بتعيين لجان تابعة لمجالس إدارتها كلجان المراجعة والترشيحات تتألف من اعضاء مستقلين. لم يجد مشروع حوكمة الشركات طريقه للنور بشكله النهائي إلا عام 1994 م، ورغم ذلك اظهرت أزمة 2008 خللاً جدرياً في تطبيقه أدى لانهيار مؤسسات مالية عريقة مثل ليمان براذرز ، فمن غير المعقول – كما علق أحدهم – : أن تضع الجبن أمام الفار وتطلب منه أن لا يأكله!
وكان قبل ذلك ظهرت الحاجة الماسة للحوكمة بعد الانهيارات التي شهدتها الاسواق الاسيوية وروسيا وأمريكا اللاتينية في نهاية الثمانينيات والتسعينيات.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي قامت بإعداد مبادئ لحوكمة شركات المساهمة العامة عام 2004 تعتبر هي المرجع الرئيس للشركات عالمياً ، ويضاف لها ما قامت به لجنة بازل ومنظمة التمويل الدولية . وفي المملكة العربية السعودية يعتبر نظام الشركات ولائحة حوكمة الشركات واللوائح التنفيذية الصادرة عن هيئة السوق المالية هي الأساس والمرجع التي تبنى عليه الشركات سياسات حوكمتها ولوائحه التنفيذية.
حوكمة الشركات من حيث مفهومها اللغوي والمحاسبي والقانوني والاداري تقوم على مبادئ بسيطة ولكنها شاملة وعميقة تختصر في وضع نظام رقابي يضمن لأصحاب المصالح في الشركة بأن الإدارة تقوم بمهامها ؛ وفي الوقت ذاته تحمى صغار المساهمين من تسلط كبار المساهمين ، مع ضمان ضبط عمل جميع الأطراف المعنية في الشركة من مساهمين ومجلس إدارة ومدراء تنفيذيين. ولحوكمة الشركات الحديثة خصائص هامة لابد أن تنعكس في لوائحه التنفيذية وسياساته مثل الشفافية والافصاح ، و المساءلة: وهي تفعيل دور النظام في ملاحقة كل من يتعدى على حقوق غيره ، والمصداقية، والانضباط: وهو مراعاة الجانب الأخلاقي في الممارسات الإدارية داخل الشركة، والاستقلالية: وهي تنفيذ الإدارة مهامها بطرق غير متحيزة ، والمسؤولية والعدالة والمسئولية الاجتماعية، وتركز بشكل جلي على فصل الادارة عن الملكية.
حوكمة الشركات هي النظام الذي يضبط العلاقة بين المساهمين ومجلس الإدارة والإدارة التنفيذية ومهمتها الاساسية هي حل معضلة التصادم بين الطرف الرئيس (المساهمون ) والوكيل ( مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية ).هذا التصادم الطبيعي ناتج عن محاولة تقديم كل طرف لمصلحته على حساب مصلحة الشركة ، فالإدارة ومجلس الإدارة لديهم المعلومات اليومية التي قد تستخدم لمصالحهم الشخصية ، والمساهم يريد تعيين جهة تحمى مصالحه وتراقب استثماراته إما من خلال تعيينه لمجلس الإدارة أو لجنة المراجعة والمراجع الخارجي كي يتمكن من الرقابة على عمل الإدارة التنفيذية.
الحوكمة في مجملها تمثل روحاً من النزاهة قبل أن تكون جسداً من النصوص ، تتمثل في مدى التزام إدارة الشركة في تطبيقها بشكل شامل لكل خصائصها ومرضٍ لجميع الأطراف ذات العلاقة ، يُمكّن فيها المساهم من حفظ حقوقه والمدير من أداء واجبه دون تعطيل لصلاحيات كل طرف . والحوكمة ليست نصوصاً باردة وضعت فقط تطبيقاً للانظمة والتزاماً بالقانون ، بل هي تكييف وتنزيل لمنظومة الأخلاق والقيم العامة على مجال الأعمال والتجارة .
إذا قمنا بمراجعة للنظام الاساسي لشركة ناتبت (الشركة التابعة لشركة اللجين) – قبل تعديله لاحقا – من حيث نصوصه ومن حيث ممارسة مواده ومن حيث تحقيقه لحكمة الحوكمة نجد أن النظام فقد خلال فترة من تأريخ الشركة خصائص هامة من لب الحوكمة الجوهري . النظام الاساس للشركة – قبل تعديله – سلب جزءاً من حق المساهم واعطاه للإدارة ، وفسر نصوصاً حاكمة في نظام الشركات لصالح الإدارة على حساب المساهم .نظام تم فيه تجريف لروح الحوكمة وتشويه لخصائصها لدرجة أن شركة اللجين (المساهم الأكبر ) والتي تملك 57% من رأس مال شركة ناتبت ليس الحق التصويت إلا بـ 20% من مجموع أصوات المساهمين على بنود اجتماعات الجمعيات التي تتعلق بادارة الشركة. هذا الخلل في تكييف حوكمة الشركة التابعة لصالح الادارة خلق لدى أغلب المساهمين في الشركة الأم حاجة للتدخل لتعديله من خلل تفعيل دورهم في الجمعيات العامة للشركة الأم ومن ثم الانتقال للشركة التابعة واصلاح الخلل في نظامها الاساس ، وهو ماحصل بالفعل في عام 2017 حيث شهدت السوق المالية سابقة تاريخية تمثلت في عزل المساهمين لمجلس إدارة شركة اللجين بنسبة تصويت تجاوزت ثمانين بالمائة من الحضور . النظام ينص في مواده – قبل التعديل – على حرمان الاغلبية من تعيين ممثلين لهم في مجلس الادارة بحسب ملكيتهم ، ويخالف المادة الرابعة والتسعين من نظام الشركات التي تنص على أن التصويت على بنود الجمعيات غير العادية يكون باغلبية الثلثين مع بعض الاستثناءات كالتي تتعلق برفع رأس المال وخفضه أو حل الشركة ، ويمنع نظام الشركة التابعة عزل اعضاء مجلس الادارة أو بعضهم إلا باغلبية ثلاثة أرباع الاصوات على غير ماجرت عليه العادة في جميع الشركات المساهمة التي تتطلب تصويت الاغلبية فقط . هذا من حيث نصوص المواد ، وأما من حيث تطبيق مواده فقد ظهر نتيجة لذلك أثره وبشكل علني مما أدى بعضها لتعطيل صدور قوائم شركة اللجين عدة مرات وحرمان مساهميها من توزيعات الارباح لفترة طويلة بسبب تفسير وتطبيق مواد نظام الشركة التابعة تعطيلاً لمصالح الشركة الأم و مصالح مساهميها.
العالمان الاقتصاديان أوليفر هارت البريطاني وبنجيت هولمستروم الفنلندي، طرحا تصوراً جديداً لمعضلة الحوكمة الكبرى ( نظرية العقد ) ، فقد قاما ببلورة نظرية للعقود لجعل العلاقة بين المساهمين والمدراء أكثر عدالة ، واستحقا عليه الفوز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 2016 م لما طرحاه من تأثير في عدّة مجالات خاصة على حوكمة الشركات. وترتكز “نظرية العقد” التي قدماها على وسائل وأسس مكافأة المديرين والموظفين . اطراف التعاقد يبذلون جهودًا ( المدراء ) أو يتكبدون استثمارات ( المساهمون ) تزيد من قيمة علاقاتهم ، ولكن يتم إخفاء هذه الجهود في بعض الأحيان ، أو لايتم ملاحظتها بشكل مباشر ، وبالتالي لا يمكن إنفاذها تعاقديًا مما يجعل رضى الطرفين أمراً قد لايدرك في الغالب .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال