الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تنقل العامل فاروق بين مدن المملكة مع شركة التشغيل والصيانة التي يعمل بها منذ سنوات، حتى وصل إلى حالة من التبلد والاحباط من عدم الاستقرار، وهذه الشركة التي جاء اليها من بلاده باحثاً عن الثراء السريع، فاعلانات الاستقطاب في بلاده الهادفة للتوظيف بالسعودية تشبه تماماً اعلانات الفوركس وتجارة العملات الرقمية التي تنسج الوهم الذي أدى بفاروق إلى بيع أرضه ومنزله وتغيير معتقده الديني للسفر إلى السعودية، وفي النهاية اكتشف انه يعتبر في هذا البلد مجرد عمالة رخيصة غير ماهرة، وإذا نال ترقية أعلى من مسمى “عامل” سيكون عرضة للترحيل لأن السعودي أحق منه بالوظيفة.
كان تخصص فاروق الذي تم توريطه فيه يتركز في نظافة وصيانة المباني الضخمة من الخارج وتحديداً الأسقف، فيجد نفسه تارة فوق قبة زجاجية عملاقة في فندق فخم، ويجد نفسه فوق سقف مبنى تجاري او حكومي ممتد لمئات الأمتار تحت أشعة الشمس الحارقة تارة اخرى، وفي احدى الايام وجد فاروق نفسه في الباص المتهالك متجهاً إلى محطة قطار عملاقة في إحدى المدن الكبيرة، كان حينها قلقاً على ما حدث لعائلته بعد فيضان اصاب مدينته الصغيرة في بلاده. فأصبح فاروق على اثر ذلك مدخناً شرهاً، و زادت عصبيته بشكل ملحوظ.
صعد فاروق بمشية عصبية على سطح المحطة والسيجارة في يده، وحينها لاحظ احد الشباب السعوديين من رجال الأمن الصناعي ذلك، فنادي عليه بهدوء راجياً اياه بعدم التدخين نظراً لخطورة التدخين في منطقة السقف التي تم بناؤها من مادة قابلة للاحتراق. وحينها رمى فاروق السيجارة سريعاً وقال بانضباط وأدب: OK Sir. وبينما كان صاعداً للسقف، تحسس جيبه ليتأكد من وجود علبة السجائر والولاعة، وابتسم حيث كان وراء ابتسامته خطة واضحة لسيجارة سريعة فوق سقف واحدة من أجمل محطات القطار في العالم.
انتقل فاروق بين عدة مدن وقرى بالمملكة حتى وصل إلى مدينة كبيرة أخرى، وفيها مول يعتبر من أكبر وافخم مولات العالم، وتذكر وهو يصعد للسقف ويرى الحضارة العمرانية، تذكر منزله البسيط الذي اضطر إلى بيعه وبيع أرضه الزراعية وتغيير معتقده الديني ليأتي إلى هنا لتحقيق حلم الثراء السريع. وأخرج علبة السجائر واعداً نفسه بأن تكون هذه سيجارته الأخيرة، فقد قرر فاروق الانتحار، لأنه لم يعد هناك شيء يخسره.
خبر عاجل: احتراق سقف احد المولات لأسباب غير معروفة وخسائر ضخمة، وقد استعاد الخبراء حادثاً مشابهاً وهو احتراق سقف محطة قطار لأسباب مجهولة، والذي وصلت تكلفة إعادة بناءه إلى ملايين الريالات. أياً كان سبب الحريقين هنا أو هناك، اعتقد انه حان الوقت لاستقطاب العمالة الماهرة المتقنة لعملها وتأهيلها واختبارها على أعلى مستوى مع وجود رخص مهنية لا تقل عن رخص المهندسين والاطباء، والا سنجد ان كل منجزاتنا الحضارية معرضة لحريق يدمرها ويعطلها وقد يزهق ارواح روادها بسبب غضب دفين علينا، في ذنب لم نقترفه، قد ينتج عنه شرارة حارقة من “سيجارة فاروق”.
اخيرا وجب التنبيه الى ان شخصية فاروق هنا هي شخصية من نسج الخيال ولا تعبر عن شخصية حقيقية حتى لو تشابهت الاحداث فالمقصد هو سرد قصصي لشخصية قد تكون فعلا تعيش بين عمال الصيانة غير المهنيين في كثير من منشآتنا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال